للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

فكأن ذمه للتقليد دعوة للبحث عن الحق، وتحذير من التعصب في التقليد، وتنبيه لما يفضي إليه من نزاع بين أفراد الأمة.

قال الشوكاني: كان الجاهل في أيام الصحابة والتابعين وتابعيهم يسأل العالم عن الحكم الشرعي الثابت في كتاب الله أو بسنة رسوله -صلى الله عليه وسلم-؛ فيفتيه به، ويرويه له لفظا أو معنى؛ فيعمل بذلك من باب العمل بالرواية لا بالرأي، وهذا هو الهدى الذي درج عليه خير القرون، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم. حتى استدرج الشيطان بذريعة التقليد من استدرج، ولم يكتف بذلك حتى سول لهم الاقتصار على تقليد فرد من أفراد العلماء، وعدم جواز تقليد غيره، ثم توسع في ذلك، فخيل لكل طائفة أن الحق مقصور على ما قاله إمامها، وما عداه باطل، ثم أوقع في قلوبهم العداوة والبغضاء حتى إنك تجد من العداوة بين أهل المذاهب المختلفة ما لم تجده بين أهل الملل المختلفة (١).

الثالث: أنه فرَّق بين التقليد والاتباع (٢). فجعل من عرف دليل من أخذه عنه متبعا لا مقلدا.

قال الشوكاني: (وإن استروح المقلد إلى الاستدلال بقوله تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ إِلَّا رِجَالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ … لَا تَعْلَمُونَ (٧)} [الأنبياء: ٧]. فهو يقتصر على سؤال أهل العلم عن الحكم الثابت في كتاب الله وسنة رسوله -صلى الله عليه وسلم- حتى يبينون له كما أخذ الله عليهم من بيان أحكامه لعباده، فإن معنى هذا السؤال الذي شرع الله هو السؤال عن الحجة الشرعية، وطلبها من العالم؛ فيكون راويا وهذا السائل مسترويا، والمقلد يقر على نفسه بأنه يقبل قول العالم، ولا يطالبه بالحجة. فالآية هي دليل الاتباع لا دليل التقليد) (٣).

ولأن الآية هي دليل الاتباع لا دليل التقليد؛ رد استنباط من استنبط جواز التقليد من قوله تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ إِلَّا رِجَالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ … لَا تَعْلَمُونَ (٧)} فقال: (وقد اُستدل بالآية على أن التقليد جائز وهو خطأ، ولو سلم؛ لكان المعنى سؤالهم عن النصوص من الكتاب والسنة لا عن الرأي البحت، وليس التقليد إلا قبول قول الغير دون حجته) (٤).


(١) انظر: القول المفيد ص ٣٨، ٣٩.
(٢) الاتباع: هو الأخذ بقول الغير بعد معرفة دليله. انظر: القول المفيد ص ٣٧، و ٦٠، والوجيز في أصول الفقه الإسلامي ص ٣٥٦.
(٣) القول المفيد ص ٨٨.
(٤) فتح القدير ج ٣/ ص ٣٩٩.

<<  <   >  >>