للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

فالمتتبع لكلام الشوكاني -في تفسيره- عن التقليد والمقلدين يظهر له أنه يذم التقليد المخالف للكتاب والسنة، وقد نص على هذا في مواضع كثيرة، منها:

١ - قال الشوكاني: - عند قوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ (٢٤)} [الأنفال: ٢٤]- (على أنه يجب على كل مسلم إذا بلغه قول الله أو قول رسوله في حكم من الأحكام الشرعية أن يبادر إلى العمل به، كائنا ما كان، ويدع ما خالفه من الرأي، وأقوال الرجال. وفي هذه الآية الشريفة أعظم باعث على العمل بنصوص الأدلة، وترك التقيد بالمذاهب وعدم الاعتداد بما يخالف ما في الكتاب والسنة كائنا ما كان) (١).

٢ - قال الشوكاني: - عند قوله تعالى {اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَهًا وَاحِدًا لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ (٣١)} [التوبة: ٣١]- (وفي هذه الآية ما يزجر من كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد عن التقليد في دين الله، وتأثير ما يقوله الأسلاف على ما في الكتاب العزيز والسنة المطهرة، فإن طاعة المتمذهب لمن يقتدي بقوله، ويستن بسنته من علماء هذه الأمة، مع مخالفته لما جاءت به النصوص، وقامت به حجج الله وبراهينه، ونطقت به كتبه وأنبياؤه؛ هو كاتخاذ اليهود والنصارى للأحبار والرهبان أربابا من دون الله؛ للقطع بأنهم لم يعبدوهم، بل أطاعوهم، وحرموا ما حرموا، وحللوا ما حللوا، وهذا هو صنيع المقلدين من هذه الأمة) (٢). (٣).

الثاني: لا يلام الشوكاني في تشنيعه على التقليد؛ إذ نشأ في بيئة زيدية، ودرس وتفقه على علمائها، لكنه ترك التمذهب، واعتمد اعتمادا مباشرا على الكتاب والسنة (٤). وكان في زمانه جماعة من المقلدة الجامدين على التعصب في الأصول والفروع، وكان الشوكاني إماما مجتهدا، ينبذ التقليد، ويحاربه محاربة شديدة؛ لذا كان شديد الإنكار على التقليد، محاربا له بلسانه، وبنانه. ولم تزل المصاولة والمقاولة بينه وبينهم دائرة، ولم يزالوا ينددون عليه في المباحث من غير حجة؛ لذا جعل كلامه في السيل الجرار في الحقيقة موجها إليهم في التنفير عن التقليد المذموم، وإيقاظهم إلى النظر في الدليل؛ لأنه يرى تحريم التقليد (٥).


(١) فتح القدير ج ٢/ ص ٢٩٩.
(٢) فتح القدير ج ٢/ ص ٣٥٣.
(٣) وانظر أيضا: فتح القدير ج ١/ ص ١٣٥، وج ٢/ ص ٨٣، وج ٢/ ص ١٩٨، وج ٣/ ص ١٠٣، وج ٤/ ص ٥٥٢.
(٤) مستفاد من: اختيارات الشوكاني في التفسير من خلال كتابه فتح القدير عرضا ودراسة، من أول سورة الكهف إلى نهاية سورة الناس، -رسالة دكتوراه- لفايز حبيب الترجمي، ص ٢٠.
(٥) انظر: أبجد العلوم ج ٣/ ص ٢٠٣.

<<  <   >  >>