للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

وقد عني الشوكاني بأمر التقليد كثيرا؛ فكتب فيه كتابه: القول المفيد في أدلة الاجتهاد والتقليد، وكتاب: أدب الطلب ومنتهى الأرب (١)، وتحدث عنه في مقدمة كتابه: السيل الجرار. كما تحدث عن التقليد في مواطن كثيرة من تفسيره، وهو القائل: (وكم في الكتاب العزيز من التنبيه على هذا-يعني التقليد- والتحذير منه والتنفير عنه) (٢).

وفي حكم التقليد خلاف دائر بين الجواز والمنع، ولكل دليله (٣). ومما يعين على الحكم على ما ذهب إليه الشوكاني في حكم التقليد؛ تأمل كلامه عن التقليد، والتنبه إلى أمور:

الأول: أن الشوكاني يذم التقليد المخالف للكتاب والسنة.


(١) وقد أشار الشوكاني لهذين الكتابين عند تفسير قوله تعالى: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ قَالُوا حَسْبُنَا مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ شَيْئًا وَلَا يَهْتَدُونَ (١٠٤)} [المائدة: ١٠٤] قال: (وفي ذلك دليل على قبح التقليد والمنع منه، والبحث في ذلك يطول، وقد أفردته بمؤلف مستقل سميته: القول المفيد في حكم التقليد، واستوفي الكلام فيه في أدب الطلب ومنتهى الأرب) فتح القدير ج ١/ ص ١٦٧، ١٦٨.
(٢) انظر: فتح القدير ج ٤/ ص ٣٠٦. وتقدم في أول دراسة هذا الاستنباط المواطن التي تحدث فيها الشوكاني عن التقليد في تفسيره.
(٣) انظر للتوسع في ذلك: الإحكام في أصول الأحكام ج ٤/ ص ٢١٢ وما بعدها، والبحر المحيط للزركشي ج ٦/ ص ٢٧٠ وما بعدها، والمسودة في أصول الفقه ص ٣٠٤ وما بعدها، وأعلام الموقعين ج ٤/ ص ٢١٠ وما بعدها، وإرشاد الفحول ص ٥٩٦ وما بعدها، والوجيز في أصول الفقه الإسلامي ص ٣٥٤ وما بعدها.
وينبغي التنبه لأمور في قول من قال بالجواز:
١ - من أجاز التقليد فإنه بلا شك لم يجز التقليد المخالف للكتاب والسنة، ولا التعصب في التقليد المفضي لترك الحق، وللنزاع بين الأمة.
٢ - قد يكون قصد من أجاز التقليد إنما عني به الاتباع أي قبول قول الغير بالدليل، فيكون الاختلاف في التسمية، فالشوكاني يسميه اتباعا وغيره يسميه تقليدا.
٣ - من أجاز التقليد أجازه لأن الاجتهاد لا يستطيعه كل أحد، والشوكاني يتفق معهم في هذا فإنه أوجب الاجتهاد على القادر، ومنعه من التقليد، وأجاز لغير القادر اتباع قول الغير بمعرفة الدليل.

<<  <   >  >>