للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

ووجه الاستنباط: أن الله أمر بعبادته بقوله تعالى: {يَاأَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (٢١)} [البقرة: ٢١]، ثم ذكر الأدلة على وجوب عبادته وحده بأنه ربى بأصناف النعم، فخلق بعد العدم، وأنعم بالنعم الظاهرة والباطنة، فجعل الأرض فراشا يُستقر عليها، ويُنتفع بالأبنية والزراعة والحراثة، والسلوك من محل إلى محل، وغير ذلك من أنواع الانتفاع بها. وجعل السماء بناء، وأودع فيها من المنافع ما هو من الضرورات، والحاجات كالشمس والقمر والنجوم. وأنزل من السماء ماء؛ فأخرج به من الثمرات كالحبوب والثمار من نخيل وفواكه وزروع وغيرها رزقا (١)؛ فدل بدلالة الاقتداء بأفعال الله تعالى على وجوب استعمال الحجج وترك التقليد.

وممن قال بهذا الاستنباط: إلكيا الهراسي (٢)، والقرطبي، وابن عادل الحنبلي (٣)، والقنوجي (٤).

والتقليد لغة: وضع الشيء في العنق مع الإحاطة به، ويسمى ذلك قلادة. ومنه تقليد البدن بأن يجعل في عنقها شعارا يعلم به أنها هدي (٥). ثم يستعمل في تفويض الأمر إلى الشخص استعارة، كأنه ربط الأمر بعنقه، كما قال لقيط الإيادي:

وقلدوا أمركم لله دركم رحب الذراع بأمر الحرب مضطلعا (٦).

وفي عرف الفقهاء: قبول قول الغير من غير معرفة دليله (٧).

أو العمل بقول الغير من غير حجة (٨). أخذا من المعنى اللغوي، كأن المقلد يطوق المجتهد إثم ما غشه به في دينه، أي يجعله طوقا في عنقه (٩).


(١) انظر: تيسير الكريم الرحمن ص ٤٥.
(٢) أبو الحسن، علي بن محمد بن علي الطبري، الهرَّاسي، شيخ الشافعية، مفسر، أصولي، توفي سنة ٥٠٤ هـ. انظر: طبقات الشافعية الكبرى ج ٧/ ص ٢٣١، ومعجم المفسرين ج ١/ ص ٣٧٦.
(٣) هو سراج الدين، أبو حفص، عمر بن علي بن عادل الحنبلي، له في التفسير: اللباب في علوم الكتاب، توفي سنة ٨٨٠، وقيل: ٧٧٥ هـ. انظر: الأعلام ج ٥/ ص ٥٨، ومعجم المؤلفين ج ٢/ ص ٥٦٨
(٤) انظر: أحكام القرآن ج ١/ ص ٨، والجامع لأحكام القرآن ج ١/ ص ٢٧٤، واللباب في علوم الكتاب ج ١/ ص ٤٢٤، وفتح البيان ج ١/ ص ١٠٥.
(٥) انظر: مادة (قلد) في لسان العرب ج ٣/ ص ٣٦٦، ٣٦٧، والقاموس المحيط ج ١/ ص ٣٩٨.
(٦) انظر: الأغاني ج ٢٢/ ص ٣٥٧.
(٧) انظر: البحر المحيط للزركشي ج ٦/ ص ٢٧٠، ومذكرة في أصول الفقه ص ٤٨٧.
(٨) انظر: روضة الناظر ج ٢/ ص ٤٩٦، و البحر المحيط للزركشي ج ٦/ ص ٢٧٠، والسيل الجرار ج ١/ ص ٦، وإرشاد الفحول ص ٥٩٧، وفتح القدير ج ٣/ ص ٣٩٩.
(٩) انظر: البحر المحيط للزركشي ج ٦/ ص ٢٧٠، ونزهة الخاطر شرح روضة الناظر ج ٢/ ص ٤٩٦.

<<  <   >  >>