للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

ثالثًا:- الحكم على الحديث:

مما سبق يَتَبَيَّن أن الحديث بهذا بإسناد الطبراني "صحيحٌ لذاته". وأخرجه مسلم في "صحيحه".

رابعًا:- التعليق على الحديث:

• الحديث فيه وعيد شديد لمن تخلّف عن صلاة الجمعة، وذلك بالختم على القلوب، واختلف أهل العلم في المُراد بالختم على القلوب على أقوال عدة؛ منها: انعدام اللطف، وأسباب الخير، وقيل هو خلق الكفر في صدورهم - وهو قول أكثر متكلم أهل السنة -، وقيل هو علامة يجعلها الله في قلوبهم لتعرف بها الملائكة مَنْ يُمدح، ومَن يُذم. قال النووي: والختم هو الطبع والتغطية.

قلتُ: أي يغطي الله على القلوب فلا ترى الحق والنور، وإنما تظل في العمى والضلال، والعياذ بالله.

• ومن عقوبة المتخلف عنها أيضا أنه بعد أن يُختم على قلبه يكون من الغافلين.

قال الصنعاني: أي يغفلون عن اكتساب ما ينفعهم من الأعمال، وعن ترك ما يضرهم منها. (١)

قلت - والله أعلم -: بل هو أعم من ذلك، فإنه يكون غافلا عن كل خير دنيوي، وعن كل عمل أخروي، بل وعن كل ما فيه سعادة له في الدنيا، ونجاة له في الآخرة، قال الله - عز وجل -: {وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى (١٢٤) قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيرًا (١٢٥) قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى (١٢٦)} (٢) نسأل الله العفو والعافية.

بل لقد همَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يأتي أقوامًا يتخلّفون عن صلاة الجمعة، فيحرق عليهم بيوتهم، أخرج الإمام مُسْلِمٌ في "صحيحه" عن عبد اللهِ بن مسعود - رضي الله عنه -، أنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم -، قَالَ لِقَوْمٍ يَتَخَلَّفُونَ عَنِ الْجُمُعَةِ: «لَقَدْ هَمَمْتُ أَنْ آمُرَ رَجُلا يُصَلِّي بِالنَّاسِ، ثُمَّ أُحَرِّقَ عَلَى رِجَالٍ يَتَخَلَّفُونَ عَنِ الْجُمُعَةِ بُيُوتَهُمْ». (٣)

* * *


(١) يُنظر: "المنهاج على شرح صحيح مسلم" (٦/ ١٥٢)، "سبل السلام" للصنعاني (١/ ٣٩٧).
(٢) سورة "طه"، آية (١٢٤ - ١٢٦).
(٣) أخرجه مسلم في "صحيحه" (٦٥٢) ك/المساجد ومواضع الصَّلاة، ب/الذين يتخلفون عن صلاة الجماعة والجمعة.

<<  <  ج: ص:  >  >>