للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ} (١)، واستطاعتها كاستطاعة الرجل، لكن اختلفوا في اشتراط المحرم لها، فأبو حنيفة يشترطه لوجوب الحج عليها إلا أن يكون بينها وبين مكة دون ثلاث مراحل، ووافقه جماعة من أصحاب الحديث وأصحاب الرأي، وقال عطاء وسعيد بن جُبير وابن سيرين ومالك والأوزاعي والشافعي في المشهور عنه: لا يُشترط المَحْرم بل يُشترط الأمن على نفسها، قال أصحابنا: يحصل الأمن بزوج أو محرم أو نسوة ثقات، ولا يلزمها الحج عندنا إلا بأحد هذه الأشياء، فلو وجدت امرأة واحدة ثقة لم يلزمها، لكن يجوز لها الحج معها هذا هو الصحيح، وقال بعض أصحابنا: يلزمها بوجود نسوة أو امرأة واحدة، وقد يكثر الأمن ولا تحتاج إلى أحد بل تسير وحدها في جملة القافلة وتكون آمنة.

واختلف أصحابنا في خروجها لحج التطوع وسفر الزيارة والتجارة ونحو ذلك من الأسفار التي ليست واجبة؛ فقال بعضهم: يجوز لها الخروج فيها مع نسوة ثقات كحجة الإسلام، وقال الجمهور: لا يجوز إلا مع زوج أو محرم، وهذا هو الصحيح للأحاديث الصحيحة، وقد قال القاضي: واتفق العلماء على أنه ليس لها أن تخرج في غير الحج والعمرة إلا مع ذي محرم إلا الهجرة من دار الحرب، فاتفقوا على أن عليها أن تهاجر منها إلى دار الإسلام، وإن لم يكن معها محرم، والفرق بينهما: أن إقامتها في دار الكفر حرام إذا لم تستطع إظهار الدين وتخشى على دينها ونفسها، وليس كذلك التأخر عن الحج. (٢)

وقال ابن عبد البر: قد اضطربت الآثار المرفوعة في هذا الباب في ألفاظها، ومحملها عندي أنَّها خرجت على أجوبة السائلين، فحدَّث كل واحد بمعنى ما سمع، كأنه قيل له - صلى الله عليه وسلم - في وقت ما: هل تسافر المرأة مسيرة يوم بلا محرم؟ فقال: لا، وقيل له في وقت آخر: هل تسافر المرأة مسيرة يومين بلا محرم؟ فقال: لا، وقال له آخر: هل تسافر المرأة مسيرة ثلاثة أيام بغير محرم؟ فقال: لا، ونحو ذلك، فأدى كل واحد ما سمع على المعنى. ويجمع معاني الآثار في هذا الباب - وإن اختلفت ظواهرها - الخطر على المرأة أن تسافر سفراً يُخاف عليها الفتنة بغير محرم، قصيراً كان أو طويلاً. (٣)

وقال النووي: قال العلماء: اختلاف هذه الألفاظ لاختلاف السائلين واختلاف المواطن، وليس في النهي عن الثلاثة تصريح بإباحة اليوم والليلة أو البريد، … ، وكله صحيح وليس في هذا كله تحديد لأقل ما يقع عليه اسم السفر، ولم يرد - صلى الله عليه وسلم - تحديد أقل ما يُسمى سفراً، فالحاصل: أنَّ كل ما يسمى سفراً تنهى عنه المرأة بغير زوج أو محرم سواء كان ثلاثة أيام أو يومين أو يوماً أو بريداً أو غير ذلك. (٤)

* * *


(١) سورة "آل عمران"، آية (٩٧).
(٢) يُنظر: "المنهاج شرح صحيح مسلم" (٩/ ١٠٤).
(٣) يُنظر: "التمهيد" (٢١/ ٥٥).
(٤) يُنظر: "المنهاج شرح صحيح مسلم" (٩/ ١٠٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>