للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ثمّ إنَّ الإسلام دين الواقعيَّة، فالنَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - يعلّمنا أنْ نأخذ بالأسباب ولا ننفكّ عنها. وإذا كان أفاضل الصَّحابة يقطعون بكذب أهلِ الإفكِ، ويجزمون ببراءَة عائشة - رضي الله عنها -، ويقولون: " لا نعلم إلّا خيراً " ويقولون: سُبْحَانَكَ {مَا يَكُونُ لَنَا أَنْ نَتَكَلَّمَ بِهَذَا سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ (١٦)} [النُّور] فما الظَّنُّ بالنَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم -!

وموقف النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - لا يختلف كثيراً عن موقف أصحابهلا إله إلا الله، فقد ثبت أنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - لمّا وَقَفَ خطيباً على المنبر واستعْذَر مِن ابن أبيّ، شَهِدَ لعائشة - رضي الله عنها - وصفوان - رضي الله عنه - بالخير، قَالَتْ عائشة: فَقَالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -، وَهُوَ عَلَى الْمِنْبَرِ: "يَا مَعْشَرَ المسْلِمِينَ، مَنْ يَعْذِرُنِي (١) مِنْ رَجُلٍ قَدْ بَلَغَنِي أَذَاهُ فِي أَهْلِ بَيْتِي؟! فَوَالله مَا عَلِمْتُ عَلَى أَهْلِي إِلَّا خَيْراً، وَلَقَدْ ذَكَرُوا رَجُلاً مَا عَلِمْتُ عَلَيْهِ إِلَّا خَيْراً، وَمَا كَانَ يَدْخُلُ عَلَى أَهْلِي إلّا معي" (٢).

وفي رواية هشام بن عروة، قال: أَخْبَرَنِي أَبِي عَنْ عَائِشَةَ - رضي الله عنها -، قَالَتْ: "لمّا ذُكِرَ مِنْ شَأْنِي الَّذِي ذُكِرَ وَمَا عَلِمْتُ بِهِ، قَامَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - فِيَّ خَطِيبًا، فَتَشَهَّدَ، فَحَمِدَ الله وَأَثْنَى عَلَيْهِ بِمَا هُوَ أَهْلُهُ، ثُمَّ قَالَ: أَمَّا بَعْدُ، أَشِيرُوا عَلَيَّ فِي أُنَاسٍ أَبَنُوا (اتّهموا) أَهْلِي، وَايْمُ الله، مَا عَلِمْتُ عَلَى أَهْلِي مِنْ سُوءٍ، وَأَبَنُوهُمْ بِمَنْ؟! والله مَا عَلِمْتُ عَلَيْهِ مِنْ سُوءٍ قَطُّ، وَلَا يَدْخُلُ بَيْتِي قَطُّ إِلَّا وَأَنَا حَاضِرٌ، وَلَا غِبْتُ فِي سَفَرٍ إِلَّا غَابَ مَعِي" (٣).


(١) أي من ينصرني.
(٢) البخاري "صحيح البخاري" (م ٣/ج ٦/ص ٧) كتاب التَّفسير.
(٣) المرجع السّابق.

<<  <   >  >>