إنَّ مِن أعظم ما أصيبت به الأمَّة في يومنا هذا الجهل، فما أوقع كثيراً مِن النَّاس في الاختلاف والشِّقاق إلَّا فَرْطُ الجهل ونقصان العقل، وما جعلهم يتَّخذون رؤوساً جُهَّالاً إلَّا ضياعُ العِلْمِ بالكتاب والسُّنَّة.
فإذا تَظَالمَ النَّاسُ واتَّبعوا السُّبل، وكانت الفتن، واختلفت الغايات، وتعدَّدت الرَّايات، فارْضَ لنفسك ما رضي القومُ به قبلك: كتاب الله، وسنَّة نبيِّه - صلى الله عليه وسلم -، وسنَّة الخلفاء الرَّاشدين، فهذا الشِّفَاءُ مِنْ كلِّ خَطْبٍ مُعْضِل، ورُزْءٍ لَبَسٍ مُشْكِل: {وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ (٤٣)} [العنكبوت].
وفي التَّنزيل نصٌّ قاطع في أنَّ جميع ما اختلفنا فيه يجب أنْ يكونَ حكمه مردوداً إلى الله تعالى، وهو الحاكم فيه وحده، قَال - جل جلاله -: {وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ (١٠)} [الشّورى].
ولا يجوزتحكيم الأفهام والأذهان لقولِه تعالى: {اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلَا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ (٣)} [الأعراف]، فالله تعالى أمر باتّباع ما أنزل، ونهى عن اتّباع ما عارضه من تقليد الآباء، وتقديم الأهواء، وحكم الجاهليّة الجهلاء. كما أمر نبيَّه بالحكم بينهم بما أنزل، ونهاه عن اتِّباع أهوائهم، فَقَال تعالى: {وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ (٤٩)} [المائدة].ولذلك قَالَ - صلى الله عليه وسلم -: "تَرَكْتُ فِيكُمْ أَمْرَيْنِ لَنْ تَضِلُّوا مَا تَمَسَّكْتُمْ بِهِمَا: كِتَابَ الله، وَسُنَّةَ نَبِيِّهِ"(١).
(١) رواه مالك بلاغاً في "الموطأ" (ص ٣٥٥/حديث ١٦٢٨) كتاب القدر، والحاكم موصولاً في "المستدرك" (ج ١/ص ٩٣) كتاب العلم، وحسنه الألباني في السّلسلة والمشكاة.