لتوقُّف ما بعده عليه ليتمَّ به المعنى، فالرِّواية عند البخاري عن يُوسُفَ بْنِ مَاهَكَ قَالَ:"كَانَ مَرْوَانُ عَلَى الْحِجَازِ اسْتَعْمَلَهُ مُعَاوِيَةُ، فَخَطَبَ فَجَعَلَ يَذْكُرُ يَزِيدَ بْنَ مُعَاوِيَةَ؛ لِكَيْ يُبَايَعَ لَهُ بَعْدَ أَبِيهِ، فَقَالَ لَهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ شَيْئًا، فَقَالَ خُذُوهُ فَدَخَلَ بَيْتَ عَائِشَةَ - رضي الله عنها -؛ فَلَمْ يَقْدِرُوا، فَقَالَ مَرْوَانُ: إِنَّ هَذَا الَّذِي أَنْزَلَ الله فِيهِ: {وَالَّذِي قَالَ لِوَالِدَيْهِ أُفٍّ لَكُمَا أَتَعِدَانِنِي (١٧)} [الأحقاف] فَقَالَتْ عَائِشَةُ مِنْ وَرَاءِ الْحِجَابِ: مَا أَنْزَلَ الله فِينَا شَيْئًا مِنْ الْقُرْآنِ، إِلَّا أَنَّ الله أَنْزَلَ عُذْرِي"(١).
فمراد عائشة - رضي الله عنها - أنَّه لم ينزل في ذمِّهم شيء من القرآن، وإنَّما نزل عذرها وبراءتها ممَّا نَسَبَ أهلُ الإفك. فالوقف والابتداء قد يحيل الكلام إلى معنى غير مقصود، ومَنْ تعمَّد ذلك {فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِنْدَ رَبِّهِ (١١٧)} [المؤمنون].
ومنهم مَنْ شَغَبَ، فقال: قَوْلها: "مَا أَنْزَلَ الله فِينَا" يدلُّك على أنَّ قوله تعالى: {ثَانِيَ اثْنَيْنِ (٤٠)} [التَّوبة] ليس المراد به أبا بكر - رضي الله عنه -، وليس كما زعم، فالمراد بقول عائشة:"فِينَا" أي في بني (أولاد) أبي بكر، لا في أبي بكر وآله،
ثمَّ إنَّها تنفي نزول آيات في ذمّهم، ولا تنفي نزول آيات بالكليَّة.
فالصِّدِّيق - رضي الله عنه - صاحب النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - في الحضر والأسفار، وجاره في الرَّوضة الشَّريفة المحاطة بالأنوار، نزل فيه قوله تعالى: {ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ (٤٠)} [التّوبة]، وقوله تعالى: {وَلَا يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ (٢٢)} [النّور]، وقوله: {وَسَيُجَنَّبُهَا الْأَتْقَى (١٧)} [الّليل].
(١) البخاري "صحيح البخاري" (م ٣/ج ٦/ص ٤٢) كتاب التَّفسير.