والمعوق الثاني: عقدة القنوات الخاصة، هنا من ينادي وبصدق أن نقد المربين يسمعه المتربون ونقد الأساتذة يقرؤه الطلاب، ونقد الآباء صار بمحضر الأبناء، ومن ثم يدعو أولئك إلى أن يكون النقد من خلال قنوات وزوايا خاصة، هذه القنوات ليس لها وجود إلا في أذهان أصحابها، نعم يستطيع الأب أن يوجه اللوم للأم بلقاء خاص ويستطيع مدير المدرسة أن ينتقد الأساتذة وحدهم، لكن قطاعات الصحوة أكبر من ذلك كله، والحديث عن أخطائها لا يمكن إلا من خلال كلمة تسجل وتسمع في الآفاق من الجميع، أو مقالة تطبع وتقرأ من الكافة، وحين يسمع الجميع عن الخطأ كان ماذا؟ أليس هذا مدعاة أن يعلموا أن قضيتهم في أيد أمينة أليس هذا مدعاة أن يعلموا أن هناك من يتحدث بالنيابة عنهم.
معشر الإخوة الكرام! إن أخطاءنا لم تعد سراً ولم تعد خافية، فنحن مثلاً حين نتحدث أن أخطاء المربين فسيسمع بها المتربون حتماً ويقرئونها؛ لأنه لا مجال للحديث إلا تحت ضوء الشمس، فأي الطريقين خير لنا: أن يعيش أولئك المتربون وهم يرون الأخطاء بأم أعينهم أو يسمعونها حينئذ من الناصحين فيدركون أن هناك من يتحدث بالنيابة عنهم، وهنا من يحامي عن أخطائهم، وهناك من يطالب بحقوقهم ويصححها؟ إن مشكلتنا -معشر الإخوة الكرام- من عقدة التلازم بين الخطأ والانحراف، فنتصور أن من وقع في الخطأ فهو منحرف أن من أخطأ مرة فهو فاشل، وتهربنا من هذه العقدة التي نفترضها يريحنا كثيراً من هاجس التخوف من المصارحة، فنريد أن نتحدث وبوضوح ونقول: هذه أخطاؤنا ونحن مع ذلك ناجحون هذه أخطاؤنا ومع ذلك لم نفشل، فهل نصل معاشر الإخوة الكرام إلى هذا المستوى من النضج والتفكير؟ فنتحدث عن الأخطاء والزلات ونحن نشعر أن تجاربنا ليست فاشلة، وهذا هو النتاج الذي نراه الآن بأم أعيننا، إنه نتاج النجاح الذي لا يستطيع أحد أن يتصور أنه نتيجته وحده وأنه ثمرة جهده وحده، فهو نتاج جهد الجميع.
إن هذا النتاج الذي نراه ليس إلا دليلاً واضحاً على النجاح ولكن فشلنا في تجربة لا يعني أننا فاشلون، وخطؤنا مرة لا يعني أننا قد فقدنا الصواب حتى النهاية.