لماذا نرى اليوم الإحباط يسيطر على كثير من الشباب؟ لماذا نرى الشباب من الجنسين ينظر إلى الالتزام على أنه تكاليف وأعباء وقيود؟ لماذا يغفل النظرة إلى الجانب الآخر والصورة الأخرى؟ هناك عوامل ولدت هذه الظاهرة، لا يتسع الوقت لأن نستعرض كل هذه العوامل، لكني سأشير إشارات يسيرة إلى أبرزها؛ لأن موضوع الحديث ليس الحديث عن العوامل، إنما هو حديث حول هذا العنوان العريض، هي دعوة إلى أن نطرح هذا السؤال ونسعى للإجابة عليه، أن يطرحه الشباب والفتيات وأن يطرحه المربون والذين يتحدثون للشباب.
من هذه العوامل: سيطرة لغة الانتقاد والحديث عن الأخطاء: الخطاب الموجه للشاب الملتزم والفتاة الملتزمة اليوم خطاب يسيطر عليه الانتقاد، يسيطر عليه التركيز على الأخطاء.
حينما نتحدث مع الشباب نتحدث عن آفات الشباب الملتزم، أخطاء الشباب الملتزم، أخطاء يقع فيها الشباب الملتزم، آفات، صدق الالتزام، عناوين نسمعها كثيراً، ويأتي هؤلاء الشباب، تأتي هذه الزهور المتفتحة، هذه الوجوه المشرقة وتستمع لهذه السياط التي تلهب ظهورها، وتستمع وهي تحب هذا الحديث؛ لأنه حديث من مشفق ناصح.
نعم، إن أولئك الذين يتحدثون هم يتحدثون من هذه المنابر، ويتحدثون مع هذا الجيل، ويتحدثون حديث المشفق الناصح، إنهم غيورون، إنهم حريصون على هذا الجيل، ولفرط حرصهم يحرصون أكثر على أن يبقى هذا الجيل نظيفاً، أن يبقى جيلاً طرياً فتزعجهم أي نقطة سوداء على هذا الثوب الناصع البياض.
ومن هنا قد يتجاوزون لحرصهم، شأنهم شأن ذاك الإنسان الذي وجد جوهرة ثمينة فوضعها في جيبه، فصار يتحسس جيبه بين فترة وأخرى، يخشى أن تسقط هذه الجوهرة، وهذا السلوك أفضل رسالة لأولئك الذين يحترفون النشل، تشعرهم بأن ثمة صيداً ثميناً في جيب هذا الرجل الذي يدفعه ذلك الحرص، أو ذلك الذي اقتنى منزلاً فارهاً، أو سيارة جميلة، أنفق عليها مالاًَ كثيراً، فتراه يسعى للحفاظ عليها، يتجنب الطرق التي يخشى أن يسمع من خلالها ضجيجاً، الطرق التي تلوح هذا الجمال الناصع الذي تتمتع به هذه السيارة وهذا المركوب.
نعم أيها الإخوة الكرام: إن هناك الغيورين الذين يتحدثون للشباب، أو الأخوات الداعيات اللاتي يتحدثن مع الفتيات، لكن أعتقد أن الانتقاد أخذ أكبر من حجمه الطبيعي وأخذ أكبر من حاجته، ونحن لسنا ضد الانتقاد، وأعتقد أن أياً منكم لو راجع شيئاً من مادتي المسموعة والمكتوبة سيجد نماذج من ذلك، ولابد أن ننتقد المظاهر الخاطئة، لكن أعتقد أن الانتقاد أخذ أكبر من حجمه، وأعتقد أننا تجاوزنا في الانتقاد، وصار حديثنا عن الأخطاء سمة بارزة؛ ولهذا فالشباب اعتادوا هذا الحديث، اعتادوا الحديث عن آفات الشاب الملتزم، عن أخطاء الشاب الملتزم، مشكلات الشاب الملتزم، هل نحن جادون في الالتزام، هل نحن ملتزمون حقاً؟ هل نحن صادقون؟ هذه عناوين نسمع بها كثيراً وعناوين براقة، وربما تعجبنا أكثر من العناوين الأخرى.
اتصلت علي فتاة، وقالت: أريد أن تلقي محاضرة عن أخطاء الملتزمات وآفات الملتزمات، قلت: لماذا؟ قالت: إن هناك مادة قدمت للشباب عن آفات الملتزمين وأخطاؤهم.
قلت: هل تعتقدين أن هناك أخطاء للملتزمات؟ قالت: نعم، وهي كثيرة.
قلت: أنا سأعد للمحاضرة، وكان هذا قديماً، وكانت المحاضرة بعنوان: القابضون على الجمر، وتحدثت فيها عن الوجه المشرق لهؤلاء، ولو كنت أشعر أن هناك مادة أخرى يمكن أن تستقل بالحديث لقدمت حديثاً خاصاً بالفتيات أيضاً حول هذه الصورة، قلت: إننا بحاجة إلى أن نبرز الصورة المشرقة، بحاجة إلى أن نتوازن، لماذا يكون حديثنا دائماً حول النقد؟ لماذا حديثنا حول الأخطاء؟ أين نحن من منهج النبي صلى الله عليه وسلم وسنشير إلى شيء من ذلك.