أمر ثالث: كيف بدأ الوحي على النبي صلى الله عليه وسلم؟ لقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يتحنث في غار حراء ويتعبد فبينما هو كذلك أتاه الملك فغطه غطة قوية حتى بلغ منه الجهد فقال:(اقرأ قال: ما أنا بقارئ، ثم أرسله ثم غطه ثم أرسله ثلاث مرات، ثم قال:{اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ * خَلَقَ الإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ}[العلق:١ - ٢] فعاد النبي صلى الله عليه وسلم يرجف فؤاده إلى خديجة رضي الله عنها)، ما السر أن يأتي الوحي بهذه الطريقة وبهذه القوة؟ إنه إشارة إلى النبي صلى الله عليه وسلم أنه يحمل قضية جادة، قضية تحتاج إلى همة وعزيمة قوية.
إن الإجابة على هذا كله نقرأها في قوله سبحانه وتعالى، في هذه الآيات التي هي من أول ما نزل:{إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا * إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئًا وَأَقْوَمُ قِيلًا}[المزمل:٥ - ٦].
وحين نقرأ سنة النبي صلى الله عليه وسلم نجد الكثير من النصوص التي تؤيد ما نقول، فهو صلى الله عليه وسلم يقول:(حجبت الجنة بالمكاره، وحجبت النار بالشهوات) إن طريق الجنة طريق محفوف بالمكاره فلن يوصل إلى الجنة إلا من خلال سلوك هذا الطريق، الطريق المليء بالمكاره والأشواك، إذاً فلن يسلك هذا الطريق إلا الرجل الجاد، إذاً الرجل الذي سيتربى ليصل إلى هذه المنزلة وليحقق هذا الهدف بحاجة إلى أن يتربى تربية جادة ليتأهل لبلوغ وتجاوز هذه المكاره، النبي صلى الله عليه وسلم يقول:(استعن بالله ولا تعجز)(المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف) يخاطب النبي صلى الله عليه وسلم كل مسلم في هذه الأرض أن يستعين بالله ولا يعجز، أن يكون رجلاً هماماً، رجلاً صاحب قرار يستعين بالله سبحانه وتعالى ولا يعجز ويدع الكسل.
أيضاً من المؤيدات والمبررات دعاؤه صلى الله عليه وسلم، فكان صلى الله عليه وسلم كثيراً ما يدعو، بل كان يدعو كل صباح:(اللهم إني أعوذ بك من العجز والكسل) إن العجز والكسل من أكبر معوقات الرجل الجاد، إن الرجل غير الجاد لا يمكن أن نصفه بأدق من هذا الوصف: إنه رجل عاجز وكسول، ومن هنا كان صلى الله عليه وسلم يستعيذ بالله كل يوم من هذا الداء من العجز والكسل، إذاً فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يسأل الله سبحانه وتعالى أن يجعله رجلاً جاداً، رجلاً متخلصاً من هذه العوائق.