ثانياً: نتحدث إلى الفتاة لأن الكثير يتحدثون عنها، ويرفعون شعار نصرة قضيتها، فالأديب قد سطر شعره ونثره، والكاتب قد وظّف قلمه، والصحفي قد استنفر قواه فالجميع أجلبوا بخيلهم ورجلهم ما بين مفكر وعامل، ما بين متحدث وكاتب، الجميع نزلوا بثقلهم ليتحدثوا عنكِ يا فتاة، ليتحدثوا عن قضية المرأة وحقوق المرأة، ويعلو ضجيج وصخب الأصوات المأجورة ليذيب الصوت الصادق والناصح الذي لم تعد تسمعه الفتاة إلا خافتاً، لقد سمعت يا فتاة ذاك الصوت النشاز الذي كان يفخر بقضيتكِ وبكرامتكِ وبشرع الله حين يقول: حينما كنا صغاراً في الكتاتيب علمونا أن وجه المرأة عورة علمونا أن صوت المرأة عورة حقنونا بسخيف القول.
علمونا أن صوت المرأة من خلف ثقب الباب عورة.
وسمعت أيضاً هذا الشاعر وهو يتهكم بأعلى ما تملكين وما تعتزين به بالحجاب: مزقيه ذات البرقع لا تخافي مزقيه مزقيه لا تبالي بأمر الدين فيه مزقيه واسأليه واسألي الآيات مزقيه أي عار أنتِ فيه وسمعت الآخر وهو ابن بلدك يقول ساخراً: محجبة تريك سفور جهل ومسفرة تريك حجاب علم ومغضية تنوء من الخطايا وشاخصة إليك بغير جرم أرى كلتيهما فيذوب قلبي لآفات الهوى ويفور عزمي لقد يحيا العفاف بلا حجاب ولا يحيا بلا خلق وعزم إنها أصوات لا أشك أنكِ تسمعينها، وتقرأينها هنا وهناك، ويعلو ضجيجها، ويرتفع صخبها، وكلها تدعو إلى دعوة واحدة، وكلها تتحدث عن قضية واحدة هي قضيتكِ.
لقد زعموا أنكِ مظلومة، لقد زعموا أنكِ مهانة، زعموا أنهم يتحدثون باسمكِ، ونقلوا وكالة من دون موافقة صاحبة الشأن، ودون موافقة الوكيل، فصار الجميع يتحدث ويبدئ ويعيد في قضية المرأة.
يا فتاة يعلو ضجيج هذه الأصوات المأجورة ليذيب الصوت الصادق والناصح، الذي لم تعد تسمعه الفتاة إلا خافتاً، ألا يحق بعد ذلك للناصحين أن يرفعوا عقيرتهم، وينادوا بصوت مسموع رافعين الراية ليقولوا: ها هنا الطريق يا فتاة، وإياكِ وبنيات الطريق وأزقة الغفلة.