نفس وقوة إيمان، أن يخرجه وله فيه رغبة، بل فيه شوق ومحبة؛ ولذا ورد عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال في خير الصدقات:" أن تصدَّق وأنت صحيح شحيح ترجو الغنى وتخشى الفقر "(١) أي أن تتصدق والمال حبيب إليك غير زاهد فيه، فإنك إن صابرت نفسك، وحملتها على التصدق في هذه الحال نلت أجرين: أجر العطاء في ذاته، وأجر تلك المغالبة النفسية التي انتصرت فيها لله وللحق، فأطعمت وكسوت، وأنت تحب المال موفورًا كثيرًا، فآثرت محبة الله على محبة المال، ورضا الله على رضا الهوى، ورضا الحق على رضا النفس، فانتصرت في الجهاد الأكبر، وهو جهاد النفس والهوى.
هذا هو المعنى الذي اختاره جمهور العلماء لهذا النص الكريم، وهو المعنى القويم الذي يتفق مع سياق الآية وموضوعها، ويزكيه قوله تعالى:(مِن طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُم مِّنَ الأَرْضِ) فإن الكسب إذا ذكر مقرونًا بما يلقيه سبحانه وتعالى في الأرض ويضعه لنا من نفائس في باطن الأرض، وزرع نضير، وغراس مثمر، إن هذا يدل حينئذ على أن المال كله حلال، وأنه يقصد إلى طيبه أو رديئه فينفق منه، فبين أن ذلك الكسب الحلال لَا يتخير في الإنفاق منه إلا جيده، فلا تجعل حصة الفقير إلا أجوده؛ إن المال الذي كسبته رزقًا حلالا: قسم هو حق الفقير والمسكين واليتيم وقد تولى الله عنهم مطالبتك به، وقسم هو لك ولأولادك ومن تعول، فهل يسوغ أن تجعل حق من تولى الله عنهم المطالبة أردأه وأخبثه وأرذله وأسوأه؛ تلك إذن قسمة ضيزى، وكيف تصنعها وتريد بها وجه الله، والتماس عفوه ورضاه؟! إن ذلك غير معقول في ذاته، ووقوعه غير سائغ ولا مقبول.
ولقد قسم سبحانه موارد المال الحلال إلى قسمين: قسم بعمل من العبد، إذ عمل العبد فيه واضح بين، واجتهاده فيه ظاهر، وإن كان التوفيق من الله، وهو الرزاق ذو القوة المتين؛ وقسم هو بعمل العبد ولكن فيض الله هو الواضح البين، والأول هو كسب العبد بالعمل والضرب في الأرض صانعًا أو تاجرًا، أو مسهمًا بماله