هذه الآية تبين حال الذين عاندوا الرسول، ولم يخلصوا في طلب الحق، وهؤلاء أقبلوا على الكفر راغبين فيه طالبين له، حتى إنهم ليجعلون الإيمان الذي أودعه الله تعالى النفوس في تكوينها، وجعله موضع النور في كيانها - ثمنا يقدم في نظير الكفر الذي يأخذونه، وفي هذا دلالة على أمرين:
أولهما: أن الكافرين طمس على قلوبهم فاستبدلوا بفطرة الإيمان التي فطر الله الناس عليها كفرا قامت الدلائل على بطلانه فكان هذا دليلا على تمكن الضلال، وكل ما يقع منهم بعد ذلك من شر يجب أن يكون متوقعا، فيهون أمره، ويضعف في النفس أثره.
ثانيهما: أن الإيمان في ملك كل إنسان، وهو الأصل الذي يجب أن يهتدى إليه عندما تلوح ظواهره وبيناته فإن الله تعالى قد ألهم كل نفس فجورها وتقواها، والبينات الشاهدة الواضحة المؤيدة الهادية تجعل الإيمان في قبضة يد طالب الحق، فإذا فتح قلبه للكفر، فقد باع أغلى شيء في الوجود، وهو الإيمان، بأحقر شيء في الوجود وهو الكفر، والكلام بعد ذلك فيه استعارة تمثيلية، وهي تصوير الكافر الذي يترك بينات الله وآياته، وإنها لكثيرة، ويختار الضلال مع قيام الأدلة على بطلانه، بمن يكون في يده أجود بضاعة، ويبيعها بأرخص الأثمان، بل بشيء