الأكنة جمع كنان، و (جعلنا) معناها صيرنا وأنشأنا أكنة تكون غلافا مانعا قلوبهم عن أن تدرك وتصل إلى النور، (وَفِي آذَانِهِمْ وَقْرًا)، أي صمما وثقلا فيها يمنعها من أن تستمع إلى القرآن الحق، فالأكنة تمنع أن يفقهوه لأن غلافا وضع بينها وبين النور، فلم تفقه أي لم تدرك وتتدبر في بلاغته، ومعانيه، وقصصه، وعبره، وما فيه من نور الحق فلا تراه، وجعلنا في آذانهم وقرا عن سماع القرآن وتذوق ألفاظه ونغمه، وجمال عباراته ونسق بيانه.
ويصح أن نقول إن الكلام السامي ممثل لحالهم في عدم فقههم للقرآن وعدم سماعهم لآياته سماع فهم وتدبر وتعرف لبلاغته بحال من جعل اللَّه تعالى على قلبه. غشاوة فلا يصل إلى الحق، وحال من في آذانه ثقل فلا يسمع، ثم يصور سبحانه نفورهم من الحق وتأثرهم بالأصنام التي جعلتهم يعتقدون فيها الألوهية فقال تعالى:(وَإِذَا ذَكَرْتَ رَبَّكَ فِي الْقُرْآنِ وَحْدَهُ وَلَّوْا عَلَى أَدْبَارِهِمْ نُفُورًا).
وإذا ذكرت ربك الذي خلقك وخلقهم وربهم وحده من غير ذكر آلهتهم على أنه المتفرد وحده بالألوهية اعتراهم إعراض أشد، فأعرضوا سائرين على أدبارهم نافرين من الحق كما يفر ذو الرمد من ضوء الشمس، أي يسارعون بالتولي والإعراض نافرين مدبرين، سائرين بظهورهم لَا بإقبالهم، وهذا النص يصور شخصا رأى شيئا فهاله ما رأى فولى مدبرا، رجع مدبرا نافرا كأنه رأى شيئا مخيفا، اقشعر له بدنه، وهذا يصور مقدار نفورهم من التوحيد الحق، وإقبالهم