في صناعة أو تجارة؛ والقسم الثاني، بما يخرجه الله سبحانه وتعالى من زرع يحصد فيكون منه القوت للإنسان والحيوان أو غراس أو شجر يؤتي أكله كل حين بإذن ربه، أو بما يودعه سبحانه وتعالى باطن الأرض من معادن يكون بها عمران الأرض، وقيام المصانع، والأعمال الإنسانية التي تسجل خلافة الإنسان في هذه الأرض ليصلح فيها ولايفسد.
ولقد نبه سبحانه إلى القسمين بقوله تعالى:(مِن طَيّبَات مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُم مِّنَ الأَرْضِ) ففي هذا النص الكريم ذلك التقسيم الحكيم؛ وقد قدم سبحانه وتعالى القسم الأول، وهو الكسب الذي يكون بعمل الإنسان، سواء أكان صناعة أم كان تجارة، وسواء أكان عملا آليا أم كان عملا فكريا؛ وكان ذلك التقديم لأسباب كثيرة؛ منها بيان فضل الأكل من العمل والكسب، كما قال - صلى الله عليه وسلم -: " ما أكل ابن آدم طعامًا خيرًا من أن يأكل من عمل يده، وإن نبي الله داود كان يأكل من عمل يده "(١)، ومنها أن العطاء من مال يجيء بمجهود وتبذل فيه الجهود يكون أعظم ثوابًا؛ ومنها إعلاء قدر العمل الإنساني لأن به إقامة العمران، وإصلاح الأرض، وتقدم هذا الوجود الإنساني في معيشته ووسائل رزقه.
والقسم الثاني فيه خير كثير، ولكنه كله بفضل الله تعالى لَا عمل للعبد إلا إلقاء البذر، وغرس الغراس والقيام عليها، والباقي كله لله الواحد القهار.
وهنا يسأل سائل: لماذا أضاف سبحانه ما يخرج من الأرض إليه سبحانه وتعالى مع أن للعبد فيه عملا من حرث وبذر وإصلاح ومراقبة، ثم أضيف الكسب بالتجارة والصناعة والعمل في هذه الدنيا إلى العبد مع أنه برزق من الله، لأنه هو الذي قسم الأرزاق بين العباد، وجميع ما للعبد من مكاسب بتوفيقه ورزقه، كما قال تعالى في آية أخرى:(وَممَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ)، وكما قال تعالى:
(ومَا مِن دَابَّةٍ فِي الأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا. . .)، فكل شيء منه وإليه، وكل كسب للعبد سواء أكان من الزرع والضرع أم كان من الصناعة أو التجارة فهو من الله، وبفضله، وبتوفيقه ورزقه وهدايته بل عطائه سبحانه؟