للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وهو ما تستطيبه النفس وتتجه إليه وتطلبه وإن ذلك هو الأصل في معنى طيب؛ ولذا جاء في مفردات الراغب الأصفهاني ما نصه: " أصل الطيب ما تستلذه الحواس وما تستلذه النفس " وإطلاق الطيب بمعنى الحلال عرف إسلامي، لَا معنى لغوي؛ لأن الله سبحانه لَا يبيح إلا ما كان طيبًا في ذاته تستسيغه النفوس السليمة المستقيمة ولا يحرم عليهم إلا ما كان خبيثًا في ذاته تعافه النفوس السليمة، فالله سبحانه وتعالى يحل الطيبات ويحرم الخبائث، كما ورد بذلك النص القرآني الكريم.

وإن تفسير النص بذلك، وهو أن الطيب المستطاب المحبوب للنفس هو الذي يبدو بادي الرأي من الآية الكريمة، فوق أنه الذي يتفق مع المعنى اللغوي، ولقد فسره ابن عباس بذلك؛ فقد روي عنه أنه قال: (أمرهم بالإنفاق من أطيب المال وأجوده وأنفسه، ونهاهم عن التصدق برذالة المال ودنيئه وخبيثه؛ " فإن الله طيب لا يقبل إلا طيبًا " ((١).

وعلى هذا المعنى المستقيم يكون توجيه الآية الكريمة: أن الله سبحانه وتعالى يحث المنفقين على أن ينفقوا من الطيب النفيس، ابتغاء وجه الله تعالى، ولأن البر كل البر هو في إنفاق الإنسان مما يحب لَا مما يبغض؛ ولقد قال سبحانه وتعالى:

(لَن تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنفِقُوا مِمَّا تحِبّونَ. . .). وقال تعالى:

(وَيُطْعِمُونَ الطعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا). ولقد نهى النبي - صلى الله عليه وسلم - المؤمنين عن أن يطعموا الفقراء إلا مما يطعمون، فقال - صلى الله عليه وسلم -: " لا تطعموهم مما لا تأكلون " (٢).

إن الله سبحانه وتعالى يحاسب القلوب، فيثيبها على مقدار ما اعتزمته من خير، وإن أدل شيء على قوة العزيمة في الإنفاق والرغبة فيه وخروجه عن طيب


(١) رواه مسلم: الزكاة - قبول الصدقة من الكسب الطيب (١٦٨٦)، والترمذي: تفسير سورة البقرة (٢٩١٥)، وأحمد (٧٩٩٨)، والدارمي: الرقاق - الكسب الطيب (٢٦٠١).
(٢) رواه أحمد في مسنده عن السيدة عائشة رضي الله عنها (٢٣٧٧٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>