لقد ولد الجميل في بيروت سنة ١٨٨٧ م, وتعلم في الكلية اليسوعية, وحذق العربية والفرنسية على وجه تام جعله أدبيا ممتازا في اللغتين, وعين مدرسا في مدرسة القديس يوسف, ثم محررا أدبيا بجريدة البشير, واتسعت آماله فهاجر إلى مصر سنة ١٩٠٩ ليحرر في الأهرام, وليعين موظفا بوزارة المالية قسم الترجمة, وبعد عام أصدر مجلة الزهور, وكان لها هدف واضح في ذهنه عبر عنه في افتتاحية العدد الأول, وقبل أن أشير إلى ما قال, أذكر أن الجو الأدبي بمصر حينئذ كان عامراً بمجلات مماثلة كالمقتطف والهلال والبيان وسركيس, ولكن المقتطف كانت إلى اكتشافات العلم الأوروبي أقرب, والهلال كانت تحفل بالتاريخ وتراجم الأفذاذ في الغرب والشرق, وأكثر ما ينشر فيها بقلم صاحبها جرجي زيدان, أما مجلة سريكس فكانت ترضي عشاق النوادر والأفاكيه والقصص المسلية وتقف عند ذلك إلا ما ندر، بقى البيان وهي مجلة مظلومة لم يتحدث عنها أحد بقدر ما يكشف عن رسالتها, وقد أخرجت طائفة من الكبار كعباس العقاد وإبراهيم المازني وعبد الرحمن شكري ومحمد السباعي ومصطفى صادق الرافعي, وغيرهم من المشاهير وكان صاحبها المرحوم الأستاذ عبد الرحمن البرقوقي فدائيا أكبر الفداء, حيث باع ما ورثه عن أبيه الثري في سبيل المجلة مضحيا بكل نفيس! وجاءت الزهور لتزايل البيان في رسالتها، ولكن الفرق بين المجلتين أن الزهور قد اهتمت بأدباء العرب في الأقطار المختلفة فتألق على صفحاتها نفر ممن صاروا أعيان الفكر في هذا الأمر, أما البيان فقد اقتصرت على الشبيبة الناهضة في مصر في أكثر ما نشرت, وهذا الاتجاه نحو العالم العربي هو ما أعلنه الجميل حين قال في افتتاحية العدد الأول بعد حديث ممتع شاق:
"يفهم القارئ مما تقدم مجمل موضوع هذه المجلة فهي تعلل النفس بأن تكون صلة تعارف بين كتاب العرب في كل الأقطار, وذلك بنشر ما تجود به قرائحهم الوقادة من النفثات الرائقة, وفتح الباب وسيعا بوجوههم ليتباروا فيه في موضوعات مختلفة, وسننشر تباعا رسوم حملة أولية الأدب, ونفتح بابا للتراسل والتباحث فيما بينهم, وبالإجمال نتوخى كل ما له علاقة بالحركة الفكرية وما يهم الأدباء الاطلاع عليه ولا حاجة إلى القول بأننا سنقتصر في هذه النشرة على الأدبيات والفنيات مبتعدين عن السياسيات والمذهبيات".