هذا الأمل لا يلبث أن يدخل في حيز الإمكان ويتحقق في عالم الوجود، إذا ما تعهدته مصر بالقسط الواجب عليها من المساعدة.
ولقد آن للحكومة الخديوية أن تعضد العلماء المصريين وتفتح لهم مجال البحث ليتمكنوا من
الاستمرار على التنقيب والتأليف فيعيدوا في مصر عصر آبائهم ويصنعوا مثل ما صنعوا.
وأرى لإطراد هذه الحركة أن نبدأ منذ اليوم بطبع الموسوعتين اللتين تفتخر بهما مصر والعرب على الإطلاق، وأعني بهما نهاية الأرب في فنون الأدب للنويري ومسالك الأبصار في ممالك الأمصار لابن فضل الله العمري. لأن هذين الأثرين الجليلين قد انعدما من بلادنا في جملة ما أضاعته من الكنوز الغوالي على أثر ما انتابها من الطوارق والطوارئ.
ولقد أعيى العلماء الغربيين استكمال هذين الأثرين النفيسين، فلم يوفقوا إلى جمع أشتات هذه الضآلة المنشودة مع ما بذلوه من الجهد في كثير من الأزمان، حتى أتاح الله لأحد مواطنينا فتيسر له بعد متاعب احتملها مدة عشرين عاماً واهتدى لجمع المواد والأجزاء التي يتألف منها هذان السفران، وأثبتها كلها بالفوتوغراف فحق لنا بعد ذلك أن نهنئ أنفسنا على هذا النجاح الباهر.
وإذا أخذنا في طبع هاتين الموسوعتين بسعد الجناب الخديوي العالي، الذي تفضل فأظهر عنايته العالية بأمرهما، فلا شك أن الإقبال على اقتنائهما سيكون عاماً عند جميع الطبقات وخصوصاً عند الفئة المولعة بالدرس وأرباب العقول المستنيرة بمصر والشرق بل يتعداهما إلى الجامعات ودور الكتب في البلاد الأجنبية والمستشرقين الذين يقدرونهما حق قدرهما لأنهم استفادوا منهما.
وعلى ذلك فإنني أشير بتشكل لجنة من أهل الدراية تختارها نظارة المعارف العمومية لتهيئة هذين السفرين للطبع ويكون من خصائصها النظر في الأصول، وضبطها بالدقة قبل تسليمها للمطبعة الأهلية، لأن الطبع إذا ما باشرته الحكومة الخديوية بنفسها وأشرفت عليه برعايتها، يجب أن يكون مستوفياً لكل أسباب