أي رباه! قبسة من أضوائك، ونظرة من سمائك، تشمل هذا الشرق فتدرأ عنه سوء الشبهات، وتكفيه شر النكبات، وتصد عنه زلقات فوضى الأقلام، وزلات خفاف الأحلام، أيسام سوء العذاب ويحطه الخسف من أعلى عليين، وهو مهبط الوحي، ومهد الأنبياء؟. . . أيكون مسرح الترهات وملعب الخزعبلات ومنه نشأ العلماء وفيه أول ما تغنى الشعراء؟. . . أين الرشيد والمنصور ينظران ما صارت إليه بغداد وما أنتجته لها مثقلات الليالي. إن الرازي وأبا العلاء يتألمان في مراقدهما عندما يسمعان الرصافي ينوح هتوفاً على نضارة بغداد ويحرق الأرم على مجدها الطارف، وسؤددها التالد، ولاسيما حينما يقول:
أيا سائلاً عنا ببغداد إننا ... بهائم في بغداد أعوزها النبت
علت أمة الغرب السماء وأشرفت ... علينا فظلنا ننظر القوم من تحت
ما عهدنا القوم والله يبيتون على الطوى، ويغمضون على الجوى، وهم أباة الضيم القائلون النار ولا العار، والحتف ولا الإقامة على الخسف، والحرة تجوع ولا تأكل بثدييها.
أيخف أبناء الشرق اليوم إلى شرب الكأس التي شرب بها عظماء أجدادهم، فيعيدون إليه سابق اخضلاله في عهد الحضارة الأندلسية ويحيون رسماً لم يعف دارسه من قنطرة الوادي، ومكتبة الإسكندرية!. . .
نحن يا قوم أحوج إلى النهضات منا إلى التفنن في أساليب التفرق والشتات، فانهضوا نهوض الغرب، وقفوا في الربوع وقفة خبير بمواقع الخلل، وتعاونوا ولا تفرقوا فكم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة. . .