المذاهب والجنسيات، فخففت شيئاً من أهوال الحروب وقللت من بلاياها ونشرت راية السلام فوق نيران المدافع وبريق البواتر.
ولا تسل عن فرح دونان وغبطته عندما رأى مشروعه مكللاً بالنجاح، فعد نفسه سعيداً ورأى أن مهمته قد انتهت فاعتزل العالم وعاش منفرداً في إحدى القرى حتى كاد يصبح نسياً منسياً مع أن اسم جمعيته طبق الآفاق، وذكر مآثرها ملأ الأسماع. فلا يذكرها أحد إلا بالثناء والاحترام. وأمام شارتها المعروفة يسكت المدفع، ويغمد السيف، ويبسط ملاك الرحمة جناحيه على ضحايا البشرية.
ولكن صاحب الفضل ينال ثوابه. ففي سنة ١٩٠١ نال هنري دونان الجائزة التي وضعها العالم الأسوجي الفرد نوبل للذين يمتازون بخدمة الإنسانية إن بعلمهم أو كتاباتهم أو مشروعاتهم الخيرية. فكان له فيها مسد لحاجته.
هذا هو الرجل الذي نعاه البرق في الشهر الماضي فلم تدجج القصائد في رثائه، ولم تفض الصحف في تعداد مآثره، مع أنه في طليعة من خدموا الإنسانية جمعاء.
فأكرم بمثل هؤلاء الرجال الذين تجب كتابة أسمائهم على صفحات القلوب إقراراً بفضلهم واعترافاً بجميلهم. ولينم هنري دونان سعيداً في ضريحه فإن قلوب الألوف من الذين تؤاسيهم جمعيته يباركون اسمه ويستمطرون الغيث على ثراه.