الشعوب المتمدنة إلى الاتفاق على تأليف جمعية دولية تجمع الإحسان لمساعدة الإنسان المجروح من يد الإنسان. فكان لمقالته تأثير عظيم في النفوس، ووقعت من الجميع موقع الاستحسان. ولكن صداها ما لبث أن خفت، كما أن تأثيرها ما عتم أن زال من القلوب. ففهم دونان أن مثل هذا المشروع يقتضي جداً طويً وسعياً مستمراً، فأخذ يزور العواصم الكبرى، ويخطب في المجالس والأندية حتى وضع أساساً لعمله وقاعدة لمشروعه.
وكان الوقع الأكبر لصوته، والنهضة العظمى وراء دعوته في عاصمة فرنسا حيث لاقى دونان كل مساعدة ومؤازرة. وأول من مد إليه يد المعاونة جريدة الديبا حيث أخذ الكاتب الشهير سان مارك جيراردان ينشر المقالات الشائقة في هذا الموضوع. وحذا حذوه غيره من الكتاب في سائر البلاد، فانتشرت الفكرة انتشاراً بعيداً، ولم يمض إلا القليل حتى تم تأسيس جمعية الصليب الأحمر وأصبحت مطمح أنظار الجميع. فانتظم في سلكها كل عظيم وشريف، منهم: غيزو ورنان وروايه كولار وده لسبس ومدام ستايل وغيرهم. وفي ٢٦ أكتوبر من سنة ١٨٦٣ اجتمع الأعضاء لأول مرة في مدينة جنفا، وفي السنة التي بعدها عقد في المدينة نفسها مؤتمر عام أرسلت إليه جميع الدول معتمدين يمثلونها لتقرير قانون الجمعية الدولية العامة لمؤاساة جرحى الحروب.
وعلى هذه الكيفية كان تأسيس جمعية الصليب الأحمر التي وقفت نفسها من ذلك الحين على خدمة الجرحى ومساعدتهم على اختلاف