وصفا أديمُ السماء , وتلألأت الأنوار على ضفَّتيهِ , ومشت فيهِ البواخر مشعشعةً بالأضواء , ونزلت إليهِ نجوم الفلك تغتسل فيهِ إلى جانب الأشعة المتحدرة إليهِ من برَّي آسيا وأوروبا , في وسط الأنوار المتدفقة عليهِ من تلك البواخر السارحات والرائحات؛ فأخذ هذا المنظر بمجامع قلبي , وسكتُّ مخافة أن يشغلني الكلام بوصفهِ , عن التمتع لحظةً بجمالهِ؛ غير أني أسررتُ إلى نفسي هذه الكلمات:
طوبى لمن دفنهُ عبد الحميد في البُسفور فقد ذهب إلى الجنة من أقرب طريق!
أكان البسفور طريقَ الأحرار إلى الجنة , كما كان طريقَ وليّ الدين بك يكن إلى سيواس؟؟؟ لست أدري! غير أن وليَّ الدين نفسهُ يقول في وداع فروق يوم نفيَ منها:. . .
وإذا نحن نسير بين منظرين ما تفتحت الأعين على أحسن منهما: شطَّي آسيا وأوروبا , يتناغيان بالمصابيح. عاشقان ضنَّت عليهما الأقدار بالتلاقي. مررنا بهما أم مرَّا بنا. لا أعلم. صحائف أجاد الحسن فيها منمقهُ. نشرت فانطوت. زلت عنها الأبصار وضاقت عنها الفهوم. فرائيها متخيّل وعارفها متوّهم. ما شكَّ ناظر إلى السماء وإليها أن تلك المصابيح كواكب سقطت عليها. عهدي بها في حالتيها , بينا هي عرين إذا بها كناس. يخالط فيها كل زئير ليث عندلةُ عندليب. تتجاور بها مسارح آرام ومصارع كرام. تسقي من ماء معين , ومن دم مهراق. تطالعها