بطراز البديع! فيهِ وحيُ الحب , وإلهام الشعر؛ وكلّ لفظةٍ يحتويها , تحتوي ألف مغنىً من معاني العظمة والجلال!
فَرُوقُ درَّة في فمِ البُسفور , ولؤلؤة في عُنق الدردنيل؛ هي عقد من الماسِ يصل بحر مرمره بالبحر الأسود؛ هي تاجٌ من الجوهر على مفرقِ آسيا وأوروبا؛ هي كوكب وقَّاد أطلعتهُ الطبيعيةُ بين الشرق والغرب! ربِّ إن سمحتَ بأن نَعْبُدَ الجمال فلِفروق السجودُ والعبادة!
وقفتُ على البوسفور حيث تمشَّى من البحر الأسود , وماشيتهُ إلى حيث التقى ببحر مرمره , فلم أجد منظراً أعظم تأثيراً في النفس , من مشية ذلك البوغاز الضيق , العميق , الطويل , المتلوّي في مسيره , كما تتلوّى الأفعى في زحفها.
أحاطت بهِ من على ضفَّتيهِ: الأسيوية والأوروبية , ربوع خضراء زاهية , ومغانٍ مشجَّرة تعانِق سهولها الماءَ في ذلك الوادي , ثم تتدرَّج في الصعود حتى تراها تلالاً عالية , قريبة المآخذ , متصلة الرؤوس بالكعاب كالزمح أنبوبٌ على أنبوب. وأطلَّت مآذن الجوامع على قرنهِ الذهبي فتماوجت خيالاتها سابحةً في مُياههِ الرائقة؛ وتراكضت أشعة الشمس إليهِ , فانعكست عنهُ إلى جانبيهِ , فتلهَّى النسيم يلعب بها , كما يتلهَّى وليدٌ يلعبُ بانعكاس النور عن المرآة. ورأيتهُ , ليلةَ عيد الدستور , في أوائل الصيف , وقد راق الجوُّ