نحلاوين براقتين وأنفه أقنى، وشفتاه غليظيين، ولحيته سوداء متجعدة على الزي الآشوري، ولونه نحاسياً فاتحاً، وقد طبعت على محياه علائم الدهاء والميل مع الهوى ميلاً عنيفاً، ودل شكل جسمه الربعة القامة ولباسه الفاخر على أنه من أولئك الآسيويين الذين كان الإغريقيون يطلقون عليهم اسم بربر. وكان لابساً على رأسه قبعة زرقاء مصنوعة على شكل سمكة ترصعها النجوم، ومرتدياً ثوباً أرجوانياً موشىً بصور الحيوانات وحاملاً بإحدى يديه مجذافاً وبالأخرى أدراجاً. فلم اضطرب عند رؤيته لاعتقادي أن ظهور الأشباح العديدة في المكاتب أمر طبيعي. ألا تظهر أشباح الموتى في العلامات التي تحفظ ذكرها؟ ودعوت الغريب إلى القعود فنبذ دعوتي وقال:
أرجو منك أن تدعني وشأني ولا تعتبرني حاضراً في هذا المكان فلقد أتيتك لأنظر ما تكتبه على هذا الورق العاطل لني أسر بذلك واعلم أن الأفكار التي تعبر عنها عليه لا تهمني البتة وإنما يهمني جداً منظر الحروف التي ترقمها عليه فأنا أعرفها وإن يكن قد درج على استعمالها ثمانية وعشرون قرناً وطرأ عليها تغيير ذو بال. وأنا اعرف هذه الباء التي كانت في أيامي تدعى بيت ومعناها بيت أو منزل وهذه اللام التي كنا نسميها لامد لمشابهة شكلها لشكل الجمة. وهذه الجيم مشتقة من الحرف الذي كان يقال له جمل في حروفنا الهجائية
ومعناه عنق البعير. وهذه الألف مشتقة من الفنا وهي على شكل رأس الثور. وأما الدال التي أشاهدها أمامي فإنها على مثال دالث المأخوذة عنها تمثل تماماً