للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث / الرقم المسلسل:

أَقْبَلَ الرَّجُلُ يَحُثُّ الْخُطَى (١) فَلَمَّا رَأَى عَبَّادًا مِنْ بَعِيدٍ مُنْتَصِبًا عَلَى فَمِ الشِّعْبِ عَرَفَ أَنَّ النَّبِيَّ وَصَحْبَهُ بِدَاخِلِهِ وَأَنَّهُ حَارِسُ الْقَوْمِ؛ فَوَتَرَ قَوْسَهُ، وَتَنَاوَلَ سَهُمًا مِنْ كِنَانَتِهِ وَرَمَاهُ بِهِ فَوَضَعَهُ فِيهِ.

فَانْتَزَعَهُ عَبَّادٌ مِنْ جَسَدِهِ وَمَضَى مُتَدَفِّقًا فِي تِلَاوَتِهِ غَارِقًا فِي صَلَاتِهِ …

فَرَمَاهُ الرَّجُلُ بِآخَرَ فَوَضَعَهُ فِيهِ؛ فَانْتَزَعَهُ كَمَا انْتَزَعَ سَابِقَهُ، فَرَمَاهُ بِثَالِثٍ، فَانْتَزَعَهُ كَمَا انْتَزَعَ سَابِقَيْهِ، وَزَحَفَ حَتَّى غَدًا قَرِيبًا مِنْ صَاحِبِهِ وَأَيْقَظَهُ قَائِلًا:

انْهَضْ فَقَدْ أَثْخَنَتْنِي (٢) الْجِرَاحُ.

فَلَمَّا رَآهُمَا الرَّجُلُ وَلَّى هَارِبًا.

* * *

وَحَانَتِ الْتِفَاتَةٌ مِنْ عَمَّارٍ إِلَى عَبَّادٍ فَرَأَى الدِّمَاءَ تَنْزِفُ غَزِيرَةً مِنْ جِرَاحِهِ الثَّلَاثَةِ فَقَالَ لَهُ:

يَا سُبْحَانَ اللهِ، هَلَّا أَيْقَظْتَنِي عِنْدَ أَوَّلِ سَهُم رَمَاكَ بِهِ؟!.

فَقَالَ عَبَّادٌ: كُنْتُ فِي سُورَةٍ أَقْرَأُهَا فَلَمْ أُحِبَّ أَنْ أَقْطَعَهَا حَتَّى أَفْرَغَ مِنْهَا. وَأَيْمُ اللهِ لَوْلَا خَوْفِي مِنْ أَنْ أُضَيْعَ ثَغْرًا أَمَرَنِي رَسُولُ اللهِ بِحِفْظِهِ لَكَانَ قَطْعُ نَفْسِي أَحَبَّ إِلَيَّ مِنْ قَطْعِهَا.

* * *

وَلَمَّا نَشِبَتْ (٣) حُرُوبُ الرِّدَّةِ عَلَى عَهْدِ أَبِي بَكْرٍ ، جَهَّزَ الصِّدِّيقُ جَيْشًا كَثِيفًا لِلْقَضَاءِ عَلَى فِتْنَةِ مُسَيْلِمَةَ الْكَذَّابِ، وَإِخْضَاعِ الْمُرْتَدِّينَ الَّذِينَ ظَاهَرُوهُ (٤)، وَإِعَادَتِهِمْ إِلَى حَظِيرَةِ الْإِسْلَامِ، فَكَانَ عَبَّادُ بْنُ بِشَرِ فِي طَلِيعَةِ ذَلِكَ الْجَيْش.


(١) أقبل الرجل يحث الخُطَى: أقبل الرجل مُسْرعًا.
(٢) أثخنتني الجراح: أضعفتني وَأَوْهَنَتْ قوتي.
(٣) نشبت الحربُ: ثارت الحربُ.
(٤) ظاهروه: عاونوه وساعدوه.

<<  <  ج: ص:  >  >>