حظيتْ أغراضُ الشعر العربيّ واتّجاهاتُه بدراساتٍ كثيرةٍ وافرة؛ فتناول الدّارسون فيما تناولوه: المديح، والهجاء، والغزل، والخمر، والمجون، والنّقائض، والطّرد، وغير ذلك من الموضوعات. لكن «شعر الدّعوة الإسلاميّة» الّذي اتقدتْ شعلتُه منذ بزوغ فجر الإسلام إلى يومنا الحاضر، وأدّى رسالته خلال أربعة عشر قرناً؛ لم يلْقَ شيئاً من العناية الّتي لقيتها أغراض الشعر الأخرى … وقد أرجع المؤلّف ﵀ ذلك؛ لأسباب منها: ما أشاعه أوائل المؤرّخين لأدبنا - وجُلّهم من المستشرقين وأتباعهم - من أنّ أثر الإسلام في الشعر كان ضعيفاً باهتاً. وأنّ مصادر الأدب العربيّ وموسوعاته الكبرى قد انصرفتْ إلى أغراض الشعر التّقليدية؛ الّتي وضع أُسسها الجاهليون. ومن هذا المنطلق … حدّد المؤلّف ﵀ المراد بشعر الدّعوة بشكل عام، واعتنى به في العصر النبويّ بشكل خاص … حيث بَيَّنَ مصادره، وتكلّم عن ما أُثير من شُكوك في صحّته … إنّ هذا الكتاب بمثابة النّواة الحقيقيّة لموسوعة أدب الدّعوة الإسلاميّة؛ الّتي تبنتْها كليّة اللغة العربيّة بالرياض، والّتي تمّت تحت إشرافه وتوجيهه ﵀. هذه الموسوعة؛ الّتي لم يكنْ لها الأثر الملموس في تغيير بعض المسلّمات الأدبيّة الخاطئة فحسب، بل إنّها قلبتْ تلك المسلّمات الأدبيّة قلباً.
***
• لغة المستقبل.
للغة أهميّة كبرى في تكوين الأمم وحفظ كيانها من الضّياع؛ فهي الأساس الّذي ترسَى عليه دعائم وحدتها، والمَعْلَم الّذي يحدد شخصيّتها … واللغة العربيّة بخاصّة ليستْ قوميّة فحسب؛ وإنّما هي لغة دينيّة أيضاً … فهي لغة قرآننا العظيم، ووعاء ديننا القويم، وخزانة تراثنا الرّوحيّ والعقليّ … ذلك ما قد نبّه إليه الدكتور الباشا ﵀ في كتابه هذا؛ مستنهضاً الهمم لإتقانها وسبر أغوارها. حيث وازن بين اللغة العربيّة وغيرها من اللغات؛ مبرّزاً ما امتازتْ به العربيّة على سائر لغات الأرض من خصائص عبقريّة تجعلها لغة المستقبل. وقد أشار المؤلّف ﵀ إلى ما يقارب من المائتي لفظ يكثر فيها اللحن وبيّن صوابها … كما أورد طائفة من الألفاظ الّتي تشهد لهذه اللغة بغنى مفرداتها ودقّة أدائها؛ ممّا يجعل منها ثروة من المصطلحات للعلماء، وذخيرة للكاتبين والشعراء. لقد ساق الدكتور الباشا ﵀ ذلك كلّه؛ في أسلوب حواريّ فريد؛ جمع العمق والدّقة، إلى الوضوح والبساطة، مع الطرفة والملحة … فالكتاب في مجمله؛ بعثٌ للتّراث، وتقويمٌ للسان، وتعزيز للغة المستقبل.
***
• الدِّينُ القَيِّم.
أثار قضيّة من أهمّ القضايا المؤثّرة في حياة البشريّة ألا وهي المنهاج الّذي يرسم الطّريق لجوانب حياتها، ويوائم متطلّبات جسدها ونوازع روحها … وأنّ الإنسان بأهوائه وعلمه وعقله عاجزٌ كلّ العجز على أن يضع هذا