للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث / الرقم المسلسل:

الْمُشْرِكِينَ فِي غَيْبَةٍ مِنْ زَوْجِهَا، فَلَمَّا حَضَرَ الزَّوْجُ - وَلَمْ يَجِدِ امْرَأَتَهُ - أَقْسَمَ بِاللَّاتِ وَالْعُزَّى لَيَلْحَقَنَّ بِمُحَمَّدٍ وَأَصْحَابِهِ، وَأَلَّا يَعُودَ إِلَّا إِذَا أَرَاقَ مِنْهُمْ دَمًا.

* * *

مَا كَادَ الْمُسْلِمُونَ يُنِيخُونَ رَوَاحِلَهُمْ فِي الشِّعْبِ حَتَّى قَالَ لَهُمُ الرَّسُولُ صَلَوَاتُ اللهِ عَلَيْهِ: (مَنْ يَحْرُسُنَا فِي لَيْلَتِنَا هَذِهِ؟).

فَقَامَ إِلَيْهِ عَبَّادُ بْنُ بِشْرٍ، وَعَمَّارُ بْنُ يَاسِر (١) وَقَالَا: نَحْنُ يَا رَسُولَ اللهِ، وَقَدْ كَانَ النَّبِيُّ آخَى بَيْنَهُمَا حِينَ قَدِمَ الْمُهَاجِرُونَ عَلَى الْمَدِينَةِ.

فَلَمَّا خَرَجًا إِلَى فَمِ الشِّعْبِ قَالَ عَبَّادُ بْنُ بِشْرٍ لِأَخِيهِ عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ:

أَيُّ شَطْرَيِ اللَّيْلِ تُؤْثِرُ أَنْ تَنَامَ فِيهِ: أَوَّلِهِ أَمْ آخِرِهِ؟.

فَقَالَ عَمَّارٌ: بَلْ أَنَامُ فِي أَوَّلِهِ.

وَاضْطَجَعَ غَيْرَ بَعِيدٍ عَنْهُ.

* * *

كَانَ اللَّيْلُ سَاجِيًا هَادِئًا وَادِعًا، وَكَانَ النَّجْمُ وَالشَّجَرُ وَالْحَجَرُ تُسَبِّحُ بِحَمْدِ رَبِّهَا وَتُقَدِّسُ لَهُ، فَتَاقَتْ نَفْسُ عَبَّادِ بْن بِشْرِ إِلَى الْعِبَادَةِ، وَاشْتَاقَ قَلْبُهُ إِلَى الْقُرْآنِ.

وَكَانَ أَحْلَى مَا يَحْلُو لَهُ الْقُرْآنُ إِذَا رَتَّلَهُ مُصَلِّيًا؛ فَيَجْمَعُ مُنْعَةَ الصَّلَاةِ إِلَى مُتْعَةِ التِّلَاوَةِ.

فَتَوَجَّهَ إِلَى الْقِبْلَةِ وَدَخَلَ فِي الصَّلَاةِ؛ وَطَفِقَ يَقْرَأُ مِنْ سُورَةِ الْكَهْفِ بِصَوْتِهِ الشَّجِيِّ النَّدِيِّ الْعَذْبِ.

وَفِيمَا هُوَ سَابِحٌ فِي هَذَا النُّورِ الْإِلَيْهِيِّ الْأَسْنَى، غَارِقٌ فِي لَأَلَاءِ ضِيَائِهِ؛


(١) انظر آل ياسر: ص ٥٠١.

<<  <  ج: ص:  >  >>