للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث / الرقم المسلسل:

وَقَدِ اجْتَمَعَ إِلَى الدَّاعِيَةِ الْمَكِّيِّ الشَّابِّ مُصْعَبِ بْنِ عُمَيْرٍ؛ فَسَرْعَانَ مَا أَلَّفَتْ بَيْنَ قَلْبَيْهِمَا أَوَاصِرُ (١) الْإِيمَانِ، وَوَحَّدَتْ بَيْنَ نَفْسَيْهِمَا كَرِيمُ الشَّمَائِلِ وَنَبِيلُ الْخَصَائِلِ.

وَقَدِ اسْتَمَعَ إِلَى مُصْعَبٍ وَهُوَ يُرَتِّلُ الْقُرْآنَ بِصَوْتِهِ الْفِضِّيِّ الدَّافِيءِ، وَنَبْرَتِهِ الشَّجِيَّةِ الأسِرَةِ؛ فَشُغِفَ بِكَلامِ اللهِ حُبًّا (٢)، وَأَفْسَحَ لَهُ فِي سُوَيْدَاءِ فُؤَادِهِ مَكَانًا رَحْبًا، وَجَعَلَهُ شُغْلَهُ الشَّاغِلَ فَكَانَ يُرَدِّدُهُ فِي لَيْلِهِ وَنَهَارِهِ، وَحِلِّهِ وَتَرْحَالِهِ، حَتَّى عُرِفَ بَيْنَ الصَّحَابَةِ بِالْإِمَامِ، وَصَدِيقِ الْقُرْآنِ.

* * *

وَقَدْ كَانَ الرَّسُولُ صَلَوَاتُ اللهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ يَتَهَجَّدُ (٣) ذَاتَ لَيْلَةٍ فِي بَيْتِ عَائِشَةَ الْمُلَاصِقِ لِلْمَسْجِدِ، فَسَمِعَ صَوْتَ عَبَّادِ بْنِ بِشْرٍ وَهُوَ يَقْرَأُ الْقُرْآنَ رَطْبًا نَدِيَّا كَمَا نَزَلَ بِهِ جِبْرِيلُ عَلَى قَلْبِهِ فَقَالَ:

(يَا عَائِشَةُ: هَذَا صَوْتُ عَبَّادِ بْنِ بِشْرٍ؟!).

قَالَتْ: نَعَمْ يَا رَسُولَ اللهِ.

قَالَ: (اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَهُ).

* * *

شَهِدَ عَبَّادُ بْنُ بِشْرٍ مَعَ الرَّسُولِ صَلَوَاتُ اللهِ عَلَيْهِ مَشَاهِدَهُ كُلَّهَا، وَكَانَ لَهُ في كُلِّ مِنْهَا مَوْقِفٌ يَلِيقُ بِحَامِل الْقُرْآنِ …

مِنْ ذَلِكَ أَنَّ الرَّسُولَ صَلَوَاتُ اللهِ عَلَيْهِ لَمَّا قَفَلَ عَائِدًا مِنْ غَزْوَةِ "ذَاتِ الرِّقَاعِ" نَزَلَ بِالْمُسْلِمِينَ فِي شِعْبِ مِنَ الشِّعَابِ لِيَقْضُوا لَيْلَتَهُمْ فِيهِ.

وَكَانَ أَحَدُ الْمُسْلِمِينَ قَدْ سَبَى - فِي أَثْنَاءِ الْغَزْوَةِ - امْرَأَةً مِنْ نِسَاءِ


(١) أواصر الإيمان: روابط الإيمان.
(٢) شغف به حُبًّا: أحبه حُبًّا عميقًا مَسَّ شِغَافَ قَلْبِه.
(٣) يتهجَّد: يتعبد في اللّيل.

<<  <  ج: ص:  >  >>