للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث / الرقم المسلسل:

لَزِمَ عُقْبَةُ بْنُ عَامِرٍ الْجُهَنِيُّ رَسُولَ اللَّهِ لُزُومَ الظِّلِّ لِصَاحِبِهِ، فَكَانَ يَأْخُذُ لَهُ بِزِمَامِ بَغْلَتِهِ أَيْنَمَا سَارَ، وَيَمْضِي بَيْنَ يَدَيْهِ أَنَّى اتَّجَهَ، وَكَثِيرًا مَا أَرْدَفَهُ (١) رَسُولُ اللهِ وَرَاءَهُ، حَتَّى دُعِيَ "بِرَدِيفِ رَسُولِ اللَّهِ"، وَرُبَّمَا نَزَلَ لَهُ النَّبِيُّ الكَرِيمُ عَنْ بَغْلَتِهِ لِيَكُونَ هُوَ الَّذِي يَرْكَبُ، وَالنَّبِيُّ هُوَ الَّذِي يَمْشِي.

حَدَّثَ عُقْبَةُ قَالَ:

كُنتُ آخُذُ بِزِمَامِ بَغْلَةِ رَسُولِ اللهِ فِي بَعْضِ غَابِ (٢) الْمَدِينَةِ، فَقَالَ: لي: (يَا عُقْبَةُ، أَلَا تَرْكَبُ؟!) فَهَمَمْتُ أَنْ أَقُولَ: لَا، لَكِنِّي أَشْفَقْتُ أَنْ يَكُونَ في ذَلِكَ مَعْصِيَةٌ لِرَسُولِ اللَّهِ، فَقُلْتُ: نَعَمْ يَا نَبِيَّ اللَّهِ، فَنَزَلَ الرَّسُولُ عَنْ بَغْلَتِهِ وَرَكِبْتُ أَنَا امْتِثَالًا لِأَمْرِهِ … وَجَعَلَ هُوَ يَمْشِي. ثُمَّ مَا لَبِثْتُ أَنْ نَزَلْتُ عَنْهَا، وَرَكِبَ النَّبِيُّ ، ثُمَّ قَالَ لِي: (يَا عُقْبَةُ أَلَا أُعَلِّمُكَ سُورَتَيْنِ لَمْ يُرَ مِثْلُهُنَّ قَطُّ؟) فَقُلْتُ: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَأَقْرَأَنِي: ﴿قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ﴾ ﴿قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ﴾، ثُمَّ أُقِيمَتِ الصَّلَاةُ فَتَقَدَّمَ وَصَلَّى بِهِمَا، وَقَالَ: (اقْرَأْهُمَا كُلَّمَا نِمْتَ وَكُلَّمَا قُمْتَ).

قَالَ عُقْبَةُ: فَمَا زِلْتُ أَقْرَؤُهُمَا مَا امْتَدَّتْ بِيَ الْحَيَاةُ.

* * *

وَلَقَدْ جَعَلَ عُقْبَةُ بْنُ عَامِرٍ الْجُهَنِيُّ هَمَّه (٣) فِي أَمْرَيْنِ اثْنَيْنِ: الْعِلْمِ وَالْجِهَادِ، وَانْصَرَفَ إِلَيْهِمَا بِرُوحِهِ وَجَسَدِهِ، وَبَذَلَ لَهُمَا مِنْ ذَاتِهِ أَسْخَى الْبَذْلِ، وَأَكْرَمَهُ.

أَمَّا فِي مَجَالِ الْعِلْمِ فَقَدْ جَعَلَ يَعُبُّ مِنْ مَنَاهِلِ رَسُولِ اللَّهِ الثَّرَّةِ (٤)


(١) أردفه: أركبه خلفه.
(٢) غاب المدينة: أجماتها ذوات الأشجار الكثيفة الملتفَّة.
(٣) همَّه: اهتمامه وعنايته.
(٤) الثّرَّة: الغزيرة.

<<  <  ج: ص:  >  >>