للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث / الرقم المسلسل:

غَنَمَهُ؛ لِأَنِّي كُنْتُ شَدِيدَ الْإِشْفَاقِ (١) عَلَى غُنَيْمَتِي مِنْ أَنْ أَتْرُكَهَا لِأَحَدٍ.

* * *

ثُمَّ طَفِقَ أَصْحَابِي يَغْدُو (٢) الْوَاحِدُ مِنْهُمْ بَعْدَ الْآخَرِ عَلَى رَسُولِ اللهِ ، وَيَتْرُكُ لِي غَنَمَهُ أَرْعَاهَا لَهُ، فَإِذَا جَاءَ، أَخَذْتُ مِنْهُ مَا سَمِعَ، وَتَلَقَّيْتُ عَنْهُ مَا فَقِهَ، لَكِنَّنِي مَا لَبِثْتُ أَنْ رَجَعْتُ إِلَى نَفْسِي وَقُلْتُ: وَيْحَكَ!! … أَمِنْ أَجْلٍ غُنَيْمَاتٍ لَا تُسْمِنُ وَلَا تُغْنِي تُفَوِّتُ عَلَى نَفْسِكَ صُحْبَةَ رَسُولِ اللَّهِ ، وَالْأَخْذَ عَنْهُ مُشَافَهَةً مِنْ غَيْرِ وَاسِطَةٍ؟! … ثُمَّ تَخَلَّيْتُ عَنْ غُنَيْمَاتِي، وَمَضَيْتُ إِلَى الْمَدِينَةِ لِأُقِيمَ فِي الْمَسْجِدِ بِجِوَارِ رَسُولِ اللهِ .

* * *

لَمْ يَكُنْ عُقْبَةُ بْنُ عَامِرٍ الْجُهَنِيُّ يَخْطُرُ لَهُ عَلَى بَالٍ - حِينَ اتَّخَذَ هَذَا الْقَرَارَ الْحَاسِمَ الْحَازِمَ - أَنَّهُ سَيَعْدُو بَعْدَ عِقْدٍ مِنَ الزَّمَانِ عَالِمًا مِنْ أَكَابِرِ عُلَمَاءِ الصَّحَابَةِ، وَقَارِئًا مِنْ شُيُوخِ الْقُرَّاءِ، وَقَائِدًا مِنْ قُوَّادِ الْفَتْحِ الْمَرْمُوقِينَ، وَوَالِيًا مِنْ وُلَاةِ الْإِسْلَام الْمَعْدُودِينَ.

وَلَمْ يَكُنْ يَتَخَيَّلُ - مُجَرَّدَ تَخَيُّلٍ - وَهُوَ يَتَخَلَّى عَنْ غُنَيْمَاتِهِ، وَيَمْضِي إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ أَنَّهُ سَيَكُونُ طَلِيعَةَ الْجَيْشِ الَّذِي يَفْتَحُ أُمُّ الدُّنْيَا "دِمَشْقَ" وَيَتَّخِذُ لِنَفْسِهِ دَارًا بَيْنَ رِيَاضِهَا النَّضِرَةِ عِنْدَ "بَابِ تُومَا" (٣).

وَلَمْ يَكُنْ يَتَصَوَّرُ - مُجَرَّدَ تَصَوُّرٍ - أَنَّهُ سَيَكُونُ أَحَدَ الْقَادَةِ الَّذِينَ سَيَفْتَحُونَ زُمُرُّدَةَ الْكَوْنِ الْحَضْرَاءَ "مِصْرَ"، وَأَنَّهُ سَيَغْدُو وَالِيًا عَلَيْهَا، وَيَخْتَطُّ لِنَفْسِهِ دَارًا فِي سَفْحِ جَبَلِهَا "الْمُقَطَّمِ" (٤)، فَتِلْكَ كُلُّهَا أُمُورٌ مُسْتَكِنَّةٌ (٥) فِي ضَمِيرِ الْغَيْبِ، لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا اللَّهُ.

* * *


(١) شديد الإشفاق: شديد الخوف والمحاذرة.
(٢) يغدو: يذهب في الغداة، والغداة الصباح.
(٣) باب توما: أحد أبواب دمشق القديمة.
(٤) المقطم: جبل مطل عَلَى القاهرة من جهة الجنوب قليل الارتفاع.
(٥) مستكنة: محتجبة مختبئة.

<<  <  ج: ص:  >  >>