للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث / الرقم المسلسل:

أَنِ اشْتَدَّ عَلَيْهَا السَّغَبُ (١) وَخَافَ عَلَيْهَا الْهَلَاكَ، وَهِيَ كُلُّ مَا يَمْلِكُ مِنْ حُطَامِ الدُّنْيَا (٢).

لَكِنَّ الْفَرْحَةَ الَّتِي غَمَرَتِ الْمَدِينَةَ الْمُنَوَّرَةَ مَا لَبِثَتْ أَنْ عَمَّتْ بَوَادِيَهَا الْقَرِيبَةَ وَالْبَعِيدَةَ، وَأَشْرَقَتْ فِي كُلِّ بُقْعَةٍ مِنْ بِقَاعِهَا الطَّيِّبَةِ، وَبَلَغَتْ تَبَاشِيرُهَا عُقْبَةَ بْنَ عَامِرٍ الْجُهَنِيَّ؛ وَهُوَ مَعَ غُنَيْمَاتِهِ بَعِيدًا فِي الْفَلَوَاتِ.

فَلْنَتْرُكِ الْكَلَامَ لِعُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ لِيَرْوِيَ لَنَا قِصَّةَ لِقَائِهِ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ .

قَالَ عُقْبَةُ:

قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ الْمَدِينَةَ وَأَنَا فِي غُنَيْمَةٍ لِي أَرْعَاهَا، فَمَا إِنْ تَنَاهَى إِلَيَّ (٣) خَبْرُ قُدُومِهِ حَتَّى تَرَكْتُهَا وَمَضَيْتُ إِلَيْهِ لَا أَلْوِي عَلَى شَيْءٍ (٤) فَلَمَّا لَقِيتُهُ قُلْتُ: تُبَايِعُنِي يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: (فَمَنْ أَنْتَ؟) قُلْتُ: عُقْبَةُ بْنُ عَامِرٍ الْجُهَنِيُّ، قَالَ : (أَيُّمَا أَحَبُّ إِلَيْكَ: تُبَايِعُنِي بَيْعَةً أَعْرَابِيَّةً أَوْ بَيْعَةً هِجْرَةٍ؟). قُلْتُ: بَلْ بَيْعَةَ هِجْرَةٍ، فَبَايَعَنِي رَسُولُ اللَّهِ عَلَى مَا بَايَعَ عَلَيْهِ الْمُهَاجِرِينَ، وَأَقَمْتُ مَعَهُ لَيْلَةً ثُمَّ مَضَيْتُ إِلَى غَنَمِي.

* * *

وَكُنَّا اثْنَيْ عَشَرَ رَجُلًا مِمَّنْ أَسْلَمُوا نُقِيمُ بَعِيدًا عَنِ الْمَدِينَةِ لِتَرْعَى أَغْنَامَنَا فِي بَوَادِيها.

فَقَالَ بَعْضُنَا لِبَعْضٍ: لَا خَيْرَ فِينَا إِذَا نَحْنُ لَمْ نَقْدَمْ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ يَوْمًا بَعْدَ يَوْمٍ، لِيُفَقِّهَنَا فِي دِينِنَا، وَيُسْمِعَنَا مَا يَنْزِلُ عَلَيْهِ مِنْ وَحْيِ السَّمَاءِ، فَلْيَمْضِ كُلَّ يَوْمٍ وَاحِدٌ مِنَّا إِلَى "يَثْرِبَ"، وَلْيَتْرُكُ غَنَمَهُ لَنَا فَتَرْعَاهَا لَهُ.

فَقُلْتُ: اذْهَبُوا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ وَاحِدًا بَعْدَ آخَرَ وَلْيَتْرُكُ لِيَ الذَّاهِبُ


(١) السَّغب: الجوع.
(٢) حطام الدّنيا: مالها الْفاني.
(٣) تناهى إِلَيَّ: بلغني.
(٤) لا ألوي عَلَى شيء: لا أقف عند شيء ولا أنتظر.

<<  <  ج: ص:  >  >>