للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث / الرقم المسلسل:

فَاتَّبَعْتُهُ فَرَأَيْتُ نَفَرًا أَمَامِي قَدْ سَبَقُونِي إِلَى ذَلِكَ الْقَمَرِ …

رَأَيْتُ: زَيْدَ بْنَ حَارِثَةَ (١)، وَعَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ، وَأَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ …

فَقُلْتُ لَهُمْ: مُنْذُ مَتَى أَنْتُمْ هَا هُنَا؟! فَقَالُوا: السَّاعَةَ.

ثُمَّ إِنِّي لَمَّا طَلَعَ عَلَيَّ النَّهَارُ بَلَغَنِي أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ يَدْعُو إِلَى الْإِسْلَامِ مسْتَخْفِيًا، فَعَلِمْتُ أَنَّ اللَّهَ أَرَادَ بِي خَيْرًا، وَشَاءَ أَنْ يُخْرِجَنِي بِسَبَبِهِ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ.

فَمَضَيْتُ إِلَيْهِ مُسْرِعًا، حَتَّى لَقِيتُهُ فِي شِعْبِ "جِيَادٍ" (٢)، وَقَدْ صَلَّى الْعَصْرَ، فَأَسْلَمْتُ، فَمَا تَقَدَّمَنِي أَحَدٌ سِوَى هَؤُلَاءِ النَّفَرِ الَّذِينَ رَأَيْتُهُمْ فِي الْحُلُم.

ثُمَّ تَابَعَ سَعْدٌ رِوَايَةَ قِصَّةِ إِسْلَامِهِ فَقَالَ:

وَمَا إِنْ سَمِعَتْ أُمِّي بِخَبَرِ إِسْلَامِي حَتَّى ثَارَتْ ثَائِرَتُهَا (٣) وَكُنْتُ فَتًى بَرًّا بِهَا مُحِبًّا لَهَا، فَأَقْبَلَتْ عَلَيَّ تَقُولُ:

يَا سَعْدُ مَا هَذَا الدِّينُ الَّذِي اعْتَنَقْتَهُ فَصَرَفَكَ عَنْ دِينِ أُمِّكَ وَأَبِيكَ … وَاللَّهِ لَتَدَعَنَّ دِينَكَ الْجَدِيدَ أَوْ لَا آكُلُ وَلَا أَشْرَبُ حَتَّى أَمُوتَ … فَيَتَفَطَّرَ (٤) فُؤَادُكَ حُزْنًا عَلَيَّ، وَيَأْكُلَكَ النَّدَمُ عَلَى فَعْلَتِكَ الَّتِي فَعَلْتَ، وَتُعَيِّرَكَ النَّاسُ بِهَا أَبَدَ الدَّهْرِ.

فَقُلْتُ: لَا تَفْعَلِي يَا أُمَّاهُ، فَأَنَا لَا أَدَعُ دِينِي لِأَيِّ شَيْءٍ.

لَكِنَّهَا مَضَتْ فِي وَعِيدِهَا، فَاجْتَنَبَتِ الطَّعَامَ وَالشَّرَابَ، وَمَكَثَتْ أَيَّامًا عَلَى ذَلِكَ لَا تَأْكُلُ وَلَا تَشْرَبُ، فَهَزَلَ جِسْمُهَا وَوَهَنَ عَظْمُهَا وَخَارَتْ قُوَاهَا.

فَجَعَلْتُ آتِيهَا سَاعَةً بَعْدَ سَاعَةٍ أَسْأَلُهَا أَنْ تَتَبَلَّغَ (٥) بِشَيْءٍ مِنْ طَعَامٍ أَوْ قَلِيلٍ


(١) زَيْد بْن حَارِثَة: انظره ص ٢١١.
(٢) شِعْب جياد: أحد شِعاب مكَّة المكرمة.
(٣) ثارت ثائرتها: اشتعلت نار غَضَبها.
(٤) يتفطر: يتشقَّق.
(٥) تتبلّغ: تتناول القليل الذي يحفظ حياتها.

<<  <  ج: ص:  >  >>