للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث / الرقم المسلسل:

مِنْ شَرَابٍ؛ فَتَأْبِى ذَلِكَ أَشَدَّ الْإِبَاءِ، وَتُقْسِمُ أَلَّا تَأْكُلَ أَوْ تَشْرَبَ حَتَّى تَمُوتَ أَوْ أَدَعَ دِينِي.

عِنْدَ ذَلِكَ قُلْتُ لَهَا: يَا أُمَّاهُ إِنِّي عَلَى شَدِيدِ حُبِّي لَكِ لأَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ … وَوَاللَّهِ لَوْ كَانَ لَكِ أَلْفُ نَفْسٍ فَخَرَجَتْ مِنْكِ نَفْسًا بَعْدَ نَفْسٍ مَا تَرَكْتُ دِينِي هَذَا لِشَيْءٍ.

فَلَمَّا رَأَتِ الْجِدَّ مِنِّي أَذْعَنَتْ لِلْأَمْرِ، وَأَكْلَتْ وَشَرِبَتْ عَلَى كُرْهِ مِنْهَا، فَأَنْزَلَ اللَّهُ فِينَا قَوْلَهُ ﷿:

﴿وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا﴾ (١).

* * *

لَقَدْ كَانَ يَوْمُ إِسْلَامِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ مِنْ أَكْثَرِ الْأَيَّامِ بِرًّا بِالْمُسْلِمِينَ، وَأَجْزَلِهَا خَيْرًا عَلَى الْإِسْلَامِ:

فَفِي يَوْمِ "بَدْرٍ" كَانَ لِسَعْدٍ وَأَخِيهِ "عُمَيْرٍ" مَوْقِفٌ مَشْهُودٌ؛ فَقَدْ كَانَ "عُمَيْرٌ" يَوْمَئِذٍ فَتًى حَدَثًا لَمْ يُجَاوِزِ الْحُلُمَ إِلَّا قَلِيلًا، فَلَمَّا أَخَذَ الرَّسُولُ يَعْرِضُ جُنْدَ الْمُسْلِمِينَ قَبْلَ الْمَعْرَكَةِ تَوَارَى "عُمَيْرٌ" أَخُو سَعْدٍ خَوْفًا مِنْ أَنْ يَرَاهُ الرَّسُولُ فَيَرُدَّهُ لِصِغَرِ سِنِّهِ، لَكِنَّ الرَّسُولَ أَبْصَرَهُ وَرَدَّهُ؛ فَجَعَلَ عُمَيْرٌ يَبْكِي حَتَّى رَقَّ لَهُ قَلْبُ النَّبِيِّ اللهِ وَأَجَازَهُ.

عِنْدَ ذَلِكَ أَقْبَلَ عَلَيْهِ سَعْدٌ فَرِحًا، وَعَقَدَ عَلَيْهِ حِمَالَةَ سَيْفِهِ (٢) عَقْدًا لِصِغَرِهِ، وَانْطَلَقَ الْأَخَوَانِ يُجَاهِدَانِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ حَقَّ الْجِهَادِ.


(١) سورة لقمان: آية ١٥.
(٢) حِمالة السّيف: ما يعلق به عَلَى عاتق صاحبه.

<<  <  ج: ص:  >  >>