للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث / الرقم المسلسل:

كَانَتْ فَرْحَةُ الرَّسُولِ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ بِإِسْلَامِ سَعْدٍ كَبِيرَةً؛ فَفِي سَعْدِ مِنْ مَخَايِلٍ (١) النَّجَابَةِ، وَبَوَاكِيرِ الرُّجُولَةِ (٢) مَا يُبَشِّرُ بِأَنَّ هَذَا الْهِلَالَ سَيَكُونُ بَدْرًا كَامِلًا فِي يَوْمٍ قَرِيبٍ.

وَلِسَعْدٍ مِنْ كَرَمِ النَّسَبِ، وَعِزَّةِ الْحَسَبِ مَا قَدْ يُغْرِي (٣) فِتْيَانَ مَكَّةَ بِأَنْ يَسْلُكُوا سَبِيلَهُ، وَيَنْسِجُوا عَلَى مِنْوَالِهِ (٤).

ثُمَّ إِنَّ سَعْدًا فَوْقَ ذَلِكَ كُلِّهِ مِنْ أَحْوَالِ النَّبِيِّ ؛ فَهُوَ مِنْ بَنِي "زُهْرَةَ"، وَبَنُو "زُهْرَةَ" أَهْلُ "آمِنَةَ بِنْتِ وَهْبٍ"، أُمِّ النَّبِيِّ .

وَقَدْ كَانَ الرَّسُولُ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ يَعْتَزُّ بِهَذِهِ الْخُؤُولَةِ.

فَقَدْ رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ الْكَرِيمَ كَانَ جَالِسًا مَعَ نَفَرٍ مِنْ أَصْحَابِهِ فَرَأَى سَعْدَ بْنَ أَبِي وَقَّاصٍ مُقْبِلًا فَقَالَ لِمَنْ مَعَهُ:

(هَذَا خَالِي … فَلْيُرِنِي امْرُؤٌ خَالَهُ).

* * *

لَكِنَّ إِسْلَامَ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ لَمْ يَمُرَّ سَهْلًا هَيِّنًا، وَإِنَّمَا عَرَّضَ الْفَتَى الْمُؤْمِنَ لِتَجْرِبَةٍ مِنْ أَقْسَى التَّجَارِبِ قَسْوَةً وَأَعْنَفِهَا عُنْفًا؛ حَتَّى إِنَّهُ بَلَغَ مِنْ قَسْوَتِهَا وَعُنْفِهَا أَنْ أَنْزَلَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ فِي شَأْنِهَا قُرْآنًا ....

فَلْتَتْرُكْ لِسَعْدٍ الْكَلَامَ لِيَقُصَّ عَلَيْنَا خَبَرَ هَذِهِ التَّجْرِبَةِ الْفَذَّةِ.

قَالَ سَعْدٌ: رَأَيْتُ فِي الْمَنَامِ قَبْلَ أَنْ أُسْلِمَ بِثَلَاثِ لَيَالٍ كَأَنِّي غَارِقٌ فِي ظُلُمَاتٍ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ، وَبَيْنَمَا كُنْتُ أَتَخَبَّطُ فِي لُجَجِهَا (٥) إِذْ أَضَاءَ لِي قَمَرٌ


(١) مخايل: علامات.
(٢) بواكير الرّجولة: تباشيرُها وأوائلها.
(٣) يغري: يرغِّب ويحضّ.
(٤) ينسجون عَلَى منواله: يسلكون طريقته فيسْلِمون كما أسْلم.
(٥) اللجج: جمع لجة وهي معظم الماء وأعمقه.

<<  <  ج: ص:  >  >>