للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث / الرقم المسلسل:

اللَّهَ تَعَالَى رَبَّنَا مِنْ غَيْرِ أَنْ نُؤْذَى أَوْ نَسْمَعَ شَيْئًا نَكْرَهُهُ، فَلَمَّا بَلَغَ ذَلِكَ قُرَيْشًا ائْتَمَرَتْ بِنَا فَأَرْسَلَتْ إِلَى "النَّجَاشِيِّ" رَجُلَيْنِ جَلْدَيْنِ (١) مِنْ رِجَالِهَا، هُمَا: عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ (٢) وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي رَبِيعَةَ، وَبَعَثَتْ مَعَهُمَا بِهَدَايَا كَثِيرَةٍ لِلنَّجَاشِيِّ وَلِبَطَارِقَتِهِ (٣) مِمَّا كَانُوا يَسْتَطْرِفُونَهُ (٤) مِنْ أَرْضِ الْحِجَازِ. ثُمَّ أَوَصَتْهُمَا بِأَنْ يَدْفَعَا إِلَى كُلِّ بِطْرِيقِ هَدِيَّتَهُ قَبْلَ أَنْ يُكَلِّمَا مَلِكَ "الْحَبَشَةِ" فِي أَمْرِنَا.

* * *

فَلَمَّا قَدِمَا "الْحَبَشَةَ" لَقِيَا بَطَارِقَةَ النَّجَاشِيِّ، وَدَفَعَا إِلَى كُلِّ بِطَرِيقٍ هَدِيَّتَهُ؛ فَلَمْ يَبْقَ أَحَدٌ مِنْهُمْ إِلَّا أَهْدَيَا إِلَيْهِ وَقَالَا لَهُ:

إِنَّهُ قَدْ حَلَّ فِي أَرْضِ الْمَلِكِ غِلْمَانٌ مِنْ سُفَهَائِنَا، صَبَؤُوا (٥) عَنْ دِينِ آبَائِهِمْ وَأَجْدَادِهِمْ، وَفَرَّقُوا كَلِمَةَ قَوْمِهِمْ؛ فَإِذَا كَلَّمْنَا الْمَلِكَ فِي أَمْرِهِمْ فَأَشِيرُوا عَلَيْهِ بِأَنْ يُسَلِّمَهُمْ إِلَيْنَا دُونَ أَنْ يَسْأَلَهُمْ عَنْ دِينِهِمْ؛ فَإِنَّ أَشْرَافَ قَوْمِهِمْ أَبْصَرُ بِهِمْ، وَأَعْلَمُ بِمَا يَعْتَقِدُونَ. فَقَالَ الْبَطَارِقَةُ: نَعَمْ …

قَالَتْ أُمُّ سَلَمَةَ: وَلَمْ يَكُنْ هُنَاكَ شَيْءٌ أَكْرَهُ لِعَمْرٍو وَصَاحِبِهِ مِنْ يَسْتَدْعِيَ "النَّجَاشِيُّ" أَحَدًا مِنَّا وَيَسْمَعَ كَلَامَهُ.

* * *

ثُمَّ أَتَيَا "النَّجَاشِيَّ" وَقَدَّمَا إِلَيْهِ الْهَدَايَا، فَاسْتَطْرَفَهَا وَأُعْجِبَ بِهَا، ثُمَّ كَلَّمَاهُ فَقَالا:

أَيُّهَا الْمَلِكُ إِنَّهُ قَدْ أَوَى إِلَى مَمْلَكَتِكَ طَائِفَةٌ مِنْ أَشْرَارِ غِلْمَانِنَا، قَدْ جَاؤُوا بِدِينٍ لَا نَعْرِفُهُ نَحْنُ وَلَا أَنْتُمْ؛ فَفَارَقُوا دِينَنَا وَلَمْ يَدْخُلُوا فِي دِينِكُمْ …


(١) جلدين: قويين.
(٢) عَمرُو بنُ الْعَاص: انظره ص ٥٥١.
(٣) البطارقة: جمع بطريق: وهو رَجُل الدّين عند النّصارى.
(٤) يستطرفونه: يستحسنونه ويعجبون به.
(٥) صبؤوا عن دينهم: ارتدوا عنه.

<<  <  ج: ص:  >  >>