للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث / الرقم المسلسل:

وَلَمَّا بَلَغَ أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ أَشُدَّهُ (١)، بَدَا عَلَيْهِ مِنْ كَرِيمِ الشَّمَائِلِ وَجَلِيلِ الْخَصَائِل مَا يَجْعَلُهُ جَدِيرًا بِحُبِّ رَسُولِ الله .

فَقَدْ كَانَ ذَكِيًا حَادَّ الذَّكَاءِ، شُجَاعًا خَارِقَ الشَّجَاعَةِ، حَكِيمًا يَضَعُ الْأُمُورَ فِي مَوَاضِعِهَا، عَفِيفًا يَأْنفُ الدُّنَايَا، آلِفًا مَأْلُوفًا يُحِبُّهُ النَّاسُ، تَقِيًّا وَرِعًا يُحِبُّهُ الله.

فَفِي يَوْمِ "أُحُدٍ" جَاءَ أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ مَعَ نَفَرٍ مِنْ صِبْيَانِ الصَّحَابَةِ يُرِيدُونَ الْجِهَادَ فِي سَبِيلِ اللهِ، فَأَخَذَ الرَّسُولُ مِنْهُمْ مَنْ أَخَذَ، وَرَدَّ مِنْهُمْ مَنْ رَدَّ لِصِغَرِ أَعْمَارِهِمْ، فَكَانَ فِي جُمْلَةِ الْمَرْدُودِينَ أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ، فَتَوَلَّى (٢) وَعَيْنَاهُ الصَّغِيرَتَانِ تَفِيضَانِ مِنَ الدَّمْعِ حَزَنًا أَلَّا يُجَاهِدَ تَحْتَ رَايَةِ رَسُولِ اللهِ .

* * *

وَفِي غَزْوَةِ "الْخَنْدَقِ"، جَاءَ أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ أَيْضًا وَمَعَهُ نَفَرٌ مِنْ فِتْيَانِ الصَّحَابَةِ، وَجَعَلَ يَشُدُّ قَامَتَهُ إِلَى أَعْلَى لِيُجِيزَهُ (٣) رَسُولُ اللهِ، فَرَقَّ لَهُ النَّبِيُّ وَأَجَازَهُ، فَحَمَلَ السَّيْفَ جِهَادًا فِي سَبِيلِ اللهِ وَهُوَ ابْنُ خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً.

* * *

وَفِي يَوْمِ "حُنَيْنٍ" حِينَ انْهَزَمَ الْمُسْلِمُونَ، ثَبَتَ أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ مَعَ الْعَبَّاسِ عَمِّ الرَّسُولِ ، وَأَبِي سُفْيَانَ بْنِ الْحَارِثِ (٤) ابْنِ عَمِّهِ، وَسِتَّةِ نَفَرٍ آخَرِينَ مِنْ كِرَامِ الصَّحَابَةِ، فَاسْتَطَاعَ الرَّسُولُ بِهَذِهِ الْفِئَةِ الصَّغِيرَةِ الْمُؤْمِنَةِ الْبَاسِلَةِ، أَنْ يُحَوِّلَ هَزِيمَةَ أَصْحَابِهِ إِلَى نَصْرٍ، وَأَنْ يَحْمِيَ الْمُسْلِمِينَ الْفَارِّينَ مِنْ أَنْ يَفْتِكَ بِهِمُ الْمُشْرِكُونَ.

* * *


(١) بلغ أشده: بلغ سن الرجولة.
(٢) فتولى: فرجع.
(٣) ليجيزه: ليأذن له.
(٤) أبو سفيان بن الحارث: انظره ص ٢٧١.

<<  <  ج: ص:  >  >>