للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث / الرقم المسلسل:

أَصْحَابُهُ مِنْ فِقْهٍ لِدِينِ اللَّهِ، وَحِفْظٍ لِكِتَابِ اللَّهِ، وَعِبَادَةٍ وَتَقْوَى ادَّخَرُوهُمَا لِأَنْفُسِهِمْ عِنْدَ اللَّهِ.

فَعَزَمَ عَلَى أَنْ يَسْتَدْرِكَ مَا فَاتَهُ بِالْجُهْدِ الْجَاهِدِ، وَأَنْ يُوَاصِلَ كَلَالَ اللَّيْلِ (١) بِكَلَالِ النَّهَارِ حَتَّى يَلْحَقَ بِالرَّكْبِ وَيَتَقَدَّمَ عَلَيْهِ.

فَانْصَرَفَ إِلَى الْعِبَادَةِ انْصِرَافَ مُتَبَتِّلٍ (٢)، وَأَقْبَلَ عَلَى الْعِلْمِ إِقْبَالَ ظَمْآنَ، وَأَكَبَّ (٣) عَلَى كِتَابِ اللَّهِ يَحْفَظُ كَلِمَاتِهِ، وَيَتَعَمَّقُ فَهُمَ آيَاتِهِ.

وَلَمَّا رَأَى التِّجَارَةَ تُنَغِّصُ (٤) عَلَيْهِ لَذَّةَ الْعِبَادَةِ، وَتُفَوِّتُ عَلَيْهِ مَجَالِسَ الْعِلْمِ تَرَكَهَا غَيْرَ مُتَرَدِّدٍ وَلَا آسِفٍ.

وَقَدْ سَأَلَهُ فِي ذَلِكَ سَائِلٌ فَأَجَابَ: لَقَدْ كُنْتُ تَاجِرًا قَبْلَ عَهْدِي بِرَسُولِ اللهِ ، فَلَمَّا أَسْلَمْتُ أَرَدْتُ أَنْ أَجْمَعَ بَيْنَ التِّجَارَةِ وَالْعِبَادَةِ فَلَمْ يَسْتَقِمْ لِي مَا أَرَدْتُ، فَتَرَكْتُ التِّجَارَةَ وَأَقْبَلْتُ عَلَى الْعِبَادَةِ …

وَالَّذِي نَفْسُ أَبِي الدَّرْدَاءِ بِيَدِهِ، مَا أُحِبُّ أَنْ يَكُونَ لِيَ الْيَوْمَ حَانُوتٌ عَلَى بَابِ الْمَسْجِدِ فَلَا تَفُوتُنِي صَلَاةٌ مَعَ الْجَمَاعَةِ، ثُمَّ أَبِيعُ وَأَشْتَرِي فَأَرْبَحُ كُلَّ يَوْمٍ ثَلَاثَمِائَةِ دِينَارٍ. ثُمَّ نَظَرَ إِلَى سَائِلِهِ وَقَالَ:

إِنِّي لا أَقُولُ: إِنَّ الله ﷿ حَرَّمَ الْبَيْعَ … وَلَكِنِّي أُحِبُّ أَنْ أَكُونَ مِن الَّذِينَ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ.

* * *

لَمْ يَتْرُكْ أَبُو الدَّرْدَاءِ التِّجَارَةَ فَحَسْبُ وَإِنَّمَا تَرَكَ الدُّنْيَا، وَأَعْرَضَ عَنْ زِينَتِهَا وَزُخْرُفِهَا، وَاكْتَفَى مِنْهَا بِلُقْمَةٍ خَشِنَةٍ تُقِيمُ صُلْبَهُ (٥) وَثَوْبٍ صَفِيقٍ (٦) يَسْتُرُ جَسَدُهُ.


(١) كلال اللّيل بكلال النّهار: تعب اللّيل بتعب النّهار.
(٢) المتبتل: المنقطع عن الدّنيا، المنصرف إلى الله.
(٣) أكب عَلَى الشَّيء: أقبل عليه ولزمه.
(٤) تنغص: تكدر.
(٥) تقيم صلبه: تقيم أوده.
(٦) ثوب صفيق: ثوب خشن.

<<  <  ج: ص:  >  >>