للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث / الرقم المسلسل:

فَقَدْ نَزَلَ بِهِ جَمَاعَةٌ فِي لَيْلَةٍ شَدِيدَةِ الْقَرِّ (١) قَاسِيَةِ الْبَرْدِ، فَأَرْسَلَ إِلَيْهِمْ طَعَامًا سَاخِنًا، وَلَمْ يَبْعَثُ إِلَيْهِمْ بِاللُّحُفِ، فَلَمَّا هَمُّوا بِالنَّوْمِ جَعَلُوا يَتَشَاوَرُونَ فِي أَمْرِ اللُّحُفِ، فَقَالَ وَاحِدٌ مِنْهُمْ: أَنَا أَذْهَبُ إِلَيْهِ وَأُكَلِّمُهُ …

فَقَالَ لَهُ آخَرُ: دَعْهُ، فَأَبَى، وَمَضَى حَتَّى وَقَفَ عَلَى بَابِ حُجْرَتِهِ فَرَآهُ قَدِ اضْطَجَعَ، وَامْرَأَتُهُ جَالِسَةٌ قَرِيبًا مِنْهُ لَيْسَ عَلَيْهَا وَعَلَيْهِ إِلَّا ثَوْبٌ خَفِيفٌ لَا يَقِي مِنْ حَرٍّ وَلَا يَصُونُ مِنْ بَرْدٍ، فَقَالَ الرَّجُلُ لِأَبِي الدَّرْدَاءِ:

مَا أَرَاكَ بِتَّ إِلَّا كَمَا نَبِيتُ نَحْنُ!! … أَيْنَ مَتَاعُكُمْ؟!.

فَقَالَ: لَنَا دَارٌ هُنَاكَ نُرْسِلُ إِلَيْهَا تِبَاعًا كُلَّ مَا نَحْصُلُ عَلَيْهِ مِنْ مَتَاعٍ، وَلَوْ كُنَّا اسْتَبْقَيْنَا فِي هَذِهِ الدَّارِ شَيْئًا مِنْهُ لَبَعَثْنَا بِهِ إِلَيْكُمْ …

ثُمَّ إِنَّ فِي طَرِيقِنَا الَّذِي سَنَسْلُكُهُ إِلَى تِلْكَ الدَّارِ عَقَبَةً كَؤُودًا (٢) الْمُخِفُّ فِيهَا خَيْرٌ مِنَ الْمُثْقَل، فَأَرَدْنَا أَنْ نَتَخَفَّفَ مِنْ أَثْقَالِنَا عَلَّنَا نَجْتَازُ.

ثُمَّ قَالَ لِلرَّجُلِ: أَفَهِمْتَ؟.

فَقَالَ: نَعَمْ فَهِمْتُ، وَجُزِيْتَ خَيْرًا.

* * *

وَفِي خِلَافَةِ الْفَارُوقِ رِضْوَانُ اللهِ عَلَيْهِ أَرَادَ مِنْ أبي الدَّرْدَاءِ أَنْ يَلِيَ (٣) لَهُ عَمَلًا فِي الشَّامِ فَأَبَى، فَأَصَرَّ عَلَيْهِ فَقَالَ أَبُو الدَّرْدَاءِ:

إِذَا رَضِيتَ مِنِّي أَنْ أَذْهَبَ إِلَيْهِمْ لِأُعَلِّمَهُمْ كِتَابَ رَبِّهِمْ، وَسُنَّةَ نَبِيَّهِمْ وَأُصَلِّيَ بِهِمْ ذَهَبْتُ، فَرَضِيَ مِنْهُ عُمَرُ بِذَلِكَ، وَمَضَى هُوَ إِلَى "دِمَشْقَ"، فَلَمَّا بَلَغَهَا وَجَدَ النَّاسَ قَدْ أُولِعُوا بِالتَّرفِ، وَانْغَمَسُوا فِي النَّعِيمِ، فَهَالَهُ ذَلِكَ، وَدَعَا النَّاسَ إِلَى الْمَسْجِدِ؛ فَاجْتَمَعُوا عَلَيْهِ فَوَقَفَ فِيهِمْ وَقَالَ:


(١) شديدة القر: شديدة البرد.
(٢) عقبة كؤودًا: عقبة صعبة المرتقى.
(٣) أن يلي له عملًا: أن يتولى له ولاية.

<<  <  ج: ص:  >  >>