للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث / الرقم المسلسل:

وَإِنَّ حُزْنَكَ عَلَى الذَّنْبِ إِذَا فَاتَكَ أَعْظَمُ مِنَ الذَّنْبِ.

وَإِنَّ خَوْفَكَ مِنَ الرِّيحِ إِذَا حَرَّكَتْ سِتْرَكَ، وَأَنْتَ تَرْتَكِبُ الذَّنْبَ مَعَ كَوْنِكَ لَا يَضْطَرِبُ فُؤَادُكَ مِنْ نَظَرِ اللَّهِ إِلَيْكَ أَعْظَمُ مِنَ الذَّنْبِ.

يَا صَاحِبَ الذَّنْبِ: أَتَدْرِي مَا كَانَ ذَنْبُ أَيُّوبَ حِينَ ابْتَلَاهُ اللَّهُ ﷿ بِجَسَدِهِ وَمَالِهِ؟ …

إِنَّمَا كَانَ ذَنْبُهُ أَنَّهُ اسْتَعَانَ بِهِ مِسْكِينٌ لِيَدْفَعَ عَنْهُ الظُّلْمَ فَلَمْ يُعِنْهُ.

* * *

وَلَمْ يَكُنِ ابْنُ عَبَّاسٍ مِنَ الَّذِينَ يَقُولُونَ مَا لَا يَفْعَلُونَ، وَيَنْهَوْنَ النَّاسَ وَلَا يَنْتَهُونَ، وَإِنَّمَا كَانَ صَوَّامَ نَهَارٍ قَوَّامَ لَيْلٍ.

أَخْبَرَ عَنْهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ قَالَ:

صَحِبْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ مِنْ مَكَّةَ إِلَى الْمَدِينَةِ، فَكُنَّا إِذَا نَزَلْنَا مَنْزِلًا قَامَ شَطْرَ اللَّيْلِ وَالنَّاسُ نِيَامٌ مِنْ شِدَّةِ التَّعَبِ.

وَلَقَدْ رَأَيْتُهُ ذَاتَ لَيْلَةٍ يَقْرَأُ:

﴿وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ﴾ (١).

فَظَلَّ يُكَرِّرُهَا وَيَنْشِجُ (٢) حَتَّى طَلَعَ عَلَيْهِ الْفَجْرُ.

وَحَسْبُنَا بَعْدَ ذَلِكَ كُلِّهِ أَنْ نَعْلَمَ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ كَانَ مِنْ أَجْمَلِ النَّاسِ جَمَالًا، وَأَصْبَحِهِمْ وَجْهًا، فَمَا زَالَ يَبْكِي فِي جَوْفِ اللَّيْلِ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ حَتَّى خَدَّدَ الدَّمْعُ الْهَتُونُ (٣) خَدَّيْهِ الْأَسِيلَيْنِ (٤).

* * *


(١) سورة ق: آية.١٩.
(٢) ينشج: يبكي بصوت عالٍ.
(٣) الدّمع الْهتون: الدّمع الْمتصبب بغزارة.
(٤) خديه الأسيلين: خديه الْمستويين النّاعمين.

<<  <  ج: ص:  >  >>