للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وثمانية، وخرج الناس إلى الصحراء يستسقون بعد صيام ثلاثة أَيام، فخطب (١) بهم الحافظ زين الدين العراقي في أَوائل ربيع الآخر ثم رجعوا؛ وتزايد السعر في القمح وجميع الغلال إلَّا أَنّ المأْكولات كثيرةٌ جدًّا، والشراء ماشى الحال، وأُعيد البجانسي في هذه الحالة إلى الحسبة.

وفى ربيع الأَول استقر شمس الدين أَلْبِيرِى - أَخو جمال الدين يوسف الأُستادار - في قضاء الشافعية بحلب، وهى أَوّل نباهة أَخيه جمال الدين بالقاهرة، وذلك أَنه عمل أستاداريّة سودون طاز ثم أُستادارية سودون الحمزاوى ثم عمل أُستادارية بيبرس ابن عمّة السلطان في سنة خمس وثماني مائة، فظهرَ حُسن مباشرته وأُهِّلَ للوظائف الكبار، وعُيِّن للوزارة فامتنع وأَصرَّ على ذلك وصارت له كلمة نافذة، وأَحبَّه الناس.

وفي (٢) جمادى الآخرة حصل بالقاهرة سعال عقب هبوب ريح جنوبية شديدة البرد كثيرة الرطوبة، وفشَا السعال ثم الحميّ، وجاءَ الشتاءُ شديدا أَزيد من العادة، ففشى الموت في أَهل المسكنة، وكان يموت بالجوع والبرد كل يوم فوق الأَلف، وقام أَهل المروءَة بتكفين من يموت منهم مثل سودون المارديني وسعد الدين بن غراب، خارجًا عما يُكفَّن من المرستان ووقف الطرحاء، فيقال كان عدة من تَكفَّل ابن غراب مواراته - إلى سلخ شوال - إثنى عشر أَلف وسبعمائة نفس.

وفى شوال تزايد هبوب الريح المريسي فكثرت الأَمراض ووقع الطاعون بالأَمراض الحادة، وغلت الأَدوية حتى بيع القدح الواحد من لبّ القرع بمائة درهم، وبيع الرطل الشرخشيك (٣)


(١) أشار السخاوي في الضوء اللامع، ج ٤ ص ١٧٤ ص ٢٣ وما بعده أَن آخر ما أملاه الشيخ كان في صفر ٨٠٦ هـ لما توقف النيل وشرق أَكثر بلاد مصر ووقع الغلاء المفرط، وختم المجلس بقصيدة أولها:
أقول لمن يشكو توقف نيلنا … سل الله يمدده بفضل وتأييد
(٢) العبارة من هنا حتى "بدرهم ونصف، ص ٢٦١ س ٢ تكاد تكون نفس عبارة العيني في عقد الجمان، ج ٣، لوحة ٢٠٢.
(٣) في ك "الشيرخشك"، وفى عقد الجمان ٣/ ٢٠٢ "الشير خشك" هذا وقد ورد في الجامع لمفرادت الأدوية لابن البيطار، ج ٣ ص ٧٥، قوله عنه إنه طل يقع من السماء ببلاد العجم على شجر الخلاف بهرة، وهو حلو إلى الاعتدال، وهو أقوى فعلا من الزنجبيل ونحو أفعاله، وذكره باسم "شيرخشك".