للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

ومات في هذا الشهر من أَهل الشام مَن لا يُحصِى عددَه إِلا الله تعالى، فمنهم من مات حريقًا (١)، ومنهم من عجز عن الهرب فمات جوعًا، ومنهم من توجّه هاربًا فمات إعياء، ومنهم من كان ضعيفًا فاستمر إِلى أَن مات.

وبلغ الأَمرُ بأَهل دمشق قبل رحيل العسكر عنهم أَن الواحد من التمرية كان يدخل إِلى البيت وفيه العدد الكثير فيصنع بهم ما أَراد من نهب وقتلٍ وإِحراق وإفسادٍ وفسق ولا تمتدّ إِليه يد ولا يخاطبه لسان لِمَا غلب على القلوب من الخوف منهم، وبِيع القمح بعد رحيلهم كلُّ مَنٍّ بأَربعين درهمًا، وأَخذ الناس في ضمّ الجراد وبيعه وصار [هو] غالب القوت بالبلد، وبيع الرطل منه بأَربعة ونصف، وصار من بقوا حفاةً عراةً وأَعيانهم عليهم العبي والجلود وهم يبيعون الجراد ويُنادون عليه، ويتتبعون ما بقى من خلق المتاع ويبيعونه ليشتروا به الجراد، واستمر الحريق في البلد لعجز مَن بقي عن طَفْيه حتى عم جميعها (٢).

ومن بعد رحيل تمرلنك عن الشام قصد ماردين فنازلها، ووصل إليه في تلك الأَيام العادل صاحب كيفا فأَكرمه، وكان وصوله إِلى حلب راجعًا في سابع عشر شعبان ولم يدخلها بل أَمر المقيمين بها من جهته بتخريبها وتحريقها ففعلوا ثم (٣) لحقوا به؛ وحدث كثير ممن كان أَسر معهم، وسار هو قاصدا البلاد الشمالية.

وذكر (٤) بعض من يوثق به أَنه قرأَ في الحائط القبلي بالجامع النوري بحماة منقوشًا على رخامته بالفارسية ما نصه: "إن الله يسّر لنا فتح البلاد والممالك حتى انتهى استخلاصنا إِلى بغداد فجاورْنا سلطان مصر والشام، فراسلناه لتتم بيننا المودّة فقتلوا رسلمنا، وظفرت طائفة من التركمان بجماعة من أهلنا فسجنوهم لاستخلاص متغلبينا من أَيدى مخاليفنا،


(١) أمامها في هامش هـ "إحراق دمشق والجامع".
(٢) أمامها في هـ "مبلغ أَمر الحريق".
(٣) هذه العبارة غير واردة في ظ.
(٤) من هنا حتى "ربيع الآخر" ص ١٤٠، ص ١ غير واردة في ظ.