للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

حظ من عبادة وعلم وزهد، وكان شديدَ البأْس على الحكام شديدَ الإنكار للمنكر، أمَّارا بالمعروف، يحب الانفراد والانجماع، قليل المهابة للأُمراء والسلاطين والحكام يغلظ لهم كثيرا.

وكان قد أقبل على الاشتغال بالحديث بآخره. والتزم أن لا ينظر في غيره: وصارت له اختباراتٌ يخالف فيها المذاهب الأربعة لما يَظهر له من دليل الحديث، قال ابن حجّي: "كانت له وجاهة عظيمة، وكان ينهى أولاده وأتباعه عن الدخول في الوظائف".

وكان ربما كتب شفاعةً إلى النائب نصها "إلى فلان المكَّاس" أو "الظالم" أو نحو ذلك وهم لا يخالفون له أمرًا ولا يردّون له شفاعة، وكان الكثير من الناس يَتَوَقُّون الاجتماع به لغلظةٍ في لفظه وفي خطابه، وكان مع ذلك يبالغ في تعظم نفسه في العلم حتى قال مرة: "أنا أعلم من النووى، وهو أزهد مني".

وكان يتعانى الفروسية وآلات الحرب ويحبّ من يتعانى ذلك، ويتردّد إلى صيدا وبيروت على نية الرباط (١). وقد باشر القتال في نوبة بيروت وبني برجا (٢) على الساحل، وصنّف كتابا سماه "الدرر (٣) "فيه فقه كثير، نظمَ (٤) فيه فقه الأربعة على أُسلوب غريب.

مات بالطاعون في جمادى الآخرة وقد جاوز السبعين، واختصر "شرح مسلم للنووى" وتعقَّب عليه مواضع، وشرح "مجمع البحرين" في عشر مجلدات، وقد قدم القاهرة وأقام بها مدّةً وأقام بالقدس مدة ثم رجع إلى دمشق وانقطع بزاويته بالربوة، ثم انقطع بزاويته بالمزّة.

٣٧ - محمد بن يوسف بن محمد بن عمر، شرف الدين بن جمال الدين بن الشيخ شمس الدين بن قاضي شهبة، اشتغل على جدّه ثم على أبيه، وتعانى الأدبيات وقال الشعر وكتب الخط الحسن، قال ابن حجّى: "كان جميل الشكل حسن الخلق، وافر العقل، كثير


(١) أمامها في هامش ز بخط فارسي "محمد بن يوسف الحنفى القونوى له تواليف كثيرة منها كتاب سماه الدرر فيه فقه الأربعة، واختصر شرح مسلم للنووى، وشرح مجمع البحرين في عشر مجلدات".
(٢) في ل "بجرجا".
(٣) وسماه ابن حجر في الدرر الكامنة ٤/ ٨١٥ بدرر البحار.
(٤) عبارة "نظم فيه فقه الأربعة" غير واردة في ظ.