للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

عليه بها بعض، وهو منكر لذلك، ومُحصَّل ما أثبتوه عليه أشياء أتاها توجب التعزير وأعلاها الكفر، وشهدوا عليه بأفعال قلبية كقولهم: قال كذا وقصده كذا ونحو ذلك مما لا يطْلع عليه إلا الله، ثم أمر القاضي المالكي بحبسه فحبس ليلة الجمعة ويوم الجمعة إلى أن فاتته صلاة الجمعة، فعقد له الشريف أبو البركات مجلسًا حضره سودون (١) المحمدي وجماعة، وأحضر فبادر بأن قال: لى دعوى على القاضي المالكي، فأخذه الشافعي وتَلّه بلحيته بحضور الجميع وقال له: يا شيخ نحس (٢)، وأمر بكشف رأسه وتعزيره، وأشهد على نفسه أنه منعه من الجلوس على الكرسي بالمسجد الحرام، وانفض المجلس على ذلك، ولولا أن الشريف لطّف قضيته لكان الأمر أشد من ذلك، ثم إنه جلس للتدريس على عادته، فمنعه الشافعي من التدريس ومن الكتابة على الفتوى، وحكم هو ونفذ المالكي وشهد الحاشية، فحصل له بذلك مشقة زائدة، وعزم على التوجه إلى القاهرة لإنهاء حاله إلى السطان". قلت فاتفق قدوم المذكور يوم الخميس ثانى عشري رمضان. وكان سبقه قاصد صاحب مكة على بن حسن، فنقل عنه أن الشريف المخلوع تعصب له لكونه كان يذكر له أن عليًا مقدم على أبي بكر، وأنه لما قدم عَلي بن حسن واليًا على مكة اجتمع به فظن على أنه يروج عنده بذلك، فجبهه وقال له: "أنا رجل سُنيّ وأبو البركات زَيْدِي" وأنهى ما اتفق له إلى السلطان، وأحضر المحضر الذي كتبه المالكي والشافعى فيه، فتغيظ السلطان منه على ما بلغنى.

فلما كان يوم الجمعة استشار المذكور بعض خواص السلطان، فأشار إليه أن لا يحدث أمرًا، لأن السلطان في أول كل قضية يكون معمور الفكر لما يلقى إليه ابتداءً إلى أن ينجلي له الأمر بعد. فسكت على مضض.

* * *


(١) هناك ثلاثة في هذه الفترة يعرف كل منهم بسودون المحمدي. أحدهم سودون المحمدي الظاهري برقوق. المعروف بتلي. أي المجنون، وكانت وفاته سنة ٨١٨ قتلًا، وثانيهم مملوكه وعتيقه الذي صار رأس نوبة الجمدارية أيام الأشرف، ثم أرسله الظاهر جقمق إلى مكة ناظرًا وشادًا للعمائر "وكان دينًا خيرًا عفيفًا عن المنكرات. وعاقلًا ساكنًا، لكنه قليل المعرفة مع استبداده براى نفسه" ولعله هو المقصود في المتن، وأما الثالث فسودون المحمدي المنعوت بالخباز، وكانت وفاته سنة ٨٥٣. ولم يرد في ترجمته ما يشير إلى وجوده بمكة في أي وقت من الأوقات، انظر الضوء. اللامع ٣/ ١٠٨٣، برقمي ١٠٨٤، و ١٠٨٥.
(٢) جاء في هامش هـ بخط البقاعي: "العجب من هذا فإنه لم يكن شيخًا إذ ذاك بل كان سنه دون الثلاثين" والرأى عندنا أن هذه العبارة قالها سخرية به.