للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فرمى عليه عبد صغير فضرب رقبته بالسهم فأمر السلطان بأن يخلع عليهم، وكتب لهم بجامكية، وصرفهم إلى بلادهم.

وحضر برسباي (١) نائب طرابلس فتلقاه السلطان ونزل بِبيتٍ لزوجته بجوار كاتب السر، وكان قبل ذلك حاجبَ الحجاب بدمشق، وقدم تقدمة للسلطان على مائتين وأربعين حمالًا.

* * *

وفى هذه السنة كانت واقعة شهاب الدين القدسي (٢)، وهو أحمد بن عبد الله بن محمد العسقلاني الأصل، المقدسي، اشتغل بالقدس كثيرًا، وكان فيه فرط ذكاء، وتعانى الكلام على العادة فمهر في ذلك، واجتمع عليه خلق كثير، ثم قدم القاهرة فكان يجتمع في مجلسه جمع كثير خصوصًا النساء، فتعصب عليه قوم، فمنعه القاضي المالكي من اجتماع النساء عنده، وكان اتفق أنه حكى حكاية عن الإمام مالك فنسبه بعض أهل مذهبه إلى تنقيصه، فمنعه المالكي من الكلام جملة، وقد شفعوا فيه فأذن له، ثم اتفق أنه توجه إلى الحج فجاور سنة أربع وأربعين، وعقد المجلس للوعظ كعادته فأحبه العامة (٣)، وحضر مجلسه بعض الخاصة، وألتف عليه جماعة من أهل اليمن، فتعصب عليه القاضيان الشافعي والمالكي بكلام بلغهما عنه.

وقرأت كائنته بخط القاضي الحنفي، وهذا ملخصها فقال في حقه: "وهو من الفضلاء الأذكياء، وانتفع به الناس واشتغل عليه الطلبة، وكتب على الفتوى. ووعظ بالمسجد، فاجتمع عليه العوام. وبعض الخواص، واستمر في العام الماضي، ثم في هذا العام إلى أن تحامل عليه بعض الفقهاء بمكة، فعملوا عليه محضرا ونسبوه إلى أمور، وشهد


(١) المقصود بذلك برسباى بن حمزة الناصري فرج، ثم انتمى لنوروز الحافظي حتى أصبح من أمراء دمشق، وقد أمسكه المؤيد شيخ أثناء الفتنة بينه وبين نوروز الحافظي، ثم أطلقه مع أبنائه بدمشق حتى إذا جاء السلطان برسباي ولاه حجوبية الحجاب بدمشق ثم نقله إلى نيابة طرابلس، وكانت وفاته سنة ٨٥١. وقد وصفته النجوم الزاهرة ج ١٥ ص ٥٢٢، ٥٢٣ بأنه كان "دينًا خيرًا" انظر أيضًا الضوء اللامع ٣/ ٣٢.
(٢) أمام هذا في هامش هـ بخط البقاعي: "إنما هو مشهور بأبي العباس القدسي". ثم جاء تعليق آخر بغير خط البقاعي: "أبو العباس القدسي". وقد عرفه السخاوي في الضوء اللامع ج ١، ص ٣٦٣ بالشهاب أبى العباس، وقد نشا بالمجدل، ومن ثم فإنه يسمى أحيانًا بالمجدلى المقدسي، وتنقل في كثير من البلاد كغزة والرملة ودمشق والقاهرة، وأكثر مترجموه من الثناء عليه والإشادة بذكائه المفرط، وكانت وفاته سنة ٨٧٠. ودفن بالقرافة الصغرى بتربة يشبك الدوبدار. انظر أيضًا البقاعي: عنوان الزمان برقم ٢٦.
(٣) علق البقاعي على هذا في هامش هـ فقال: "هم معذورون فيه، لأنه حكى محنة الإمام في ضربه على الكرسي على رؤوس الناس، وما كل ما يعلم يقال ولا سيما للعامة. ومع ذلك فهو مشهور بأنواع من الفسوق وبانحلال في العقيدة. وبالجرأة على المعضلات".