فلما تجهّز الأمراء وصل الخبر بالاستغناء عن ذلك فأمر برجوعهم فرجعوا بعد أن رحلوا مرحلةً واحدة، وقيل كان السبب أن نائب الشام أرسل يذكر للسلطان أنّه لا حاجة إلى إرسال أحدٍ من مماليك السلطان، فتخيلَ منه وأَراد اختبار حاله، فأرسل له كتابًا صحبة ساع يستدعى حضوره إلى القاهرة، فوصله الكتاب وهو راكبٌ، فخرج في الحال إلى ظاهر دمشق، واستدعى آلة السفر وتجهّز فوصل في سادس جمادى الآخرة فأكرمه السلطان وخلع عليه بالاستمرار، وعمل له السلطان ضيافةً بخليج الزَّعفراني، وسافر في ثالث عشر الشهر الذي جاء فيه.
* * *
وفى هذه السنة قرئ البخارى على العادة فكثر من يحضر من آحاد الطلبة الذين يقصدون الظهور ومُنِعوا، فتَشَفّعوا وصار لَغطْهم يزيد وسوء أدبهم يفحش فهُدِّدوا فلم يرتدعوا، فأمر السلطان في المجلس الثانى أن تكون القراءة في القصر التحتانى، وصار إذا جاء يجلس في الشباك الذي يطلّ من القصر الفوقانى على القصر التحتانى، وحصل بذلك للقضاة وأعيان المشايخ اتضاعُ منزلة، وعظم اللغط بالنسبة لما كان بحضرة السلطان، وصار السلطان بعد ذلك يتشاغل بكتابة العلامة فيجتمع عنده من يتعلق بها وتصير بالتبعية له في أعلى منزلة بالنسبة لمن هو في الحقيقة فوقهم. ولما رأى البُلقيني أنه ما بقى يظهر له مقصود انقطع عن الحضور واستمر إلى سنة أربعين، فسعى في العود كما سيأتى إن شاء الله تعالى.
* * *
وفيها توجه قرْقُماس الشعباني -وهو يومئذ الحاجب الكبير- إلى الصّعيد، فلاقاه موسى بن عُمَير شيخ عرب هوّارة وقدم له تقدمة، فلما رجع بلغ موسى أن ابن عمه عمران استقرّ مكانه وعُزل هو، فخاف موسى ودخل البريّة أطاعه بمن، وتوجه الوزير إلى قرْقُماس ليتعاونا على رجوع موسى فعجزا عنه، ثم لم يزل الوزير يراسل موسى ويتلَطَّف به حتى عاد وأحضره إلى السلطان فخلع السلطان عليه ثمّ أمسكه بعد أيام ثمّ حبسه، فبلغ ذلك عربَهُ فأفسدوا في البلاد وأَحرقوا الغلال، ووصل عبد الدايم شيخ القرافة (١) ومعه طائفةٌ من الفقراء في شوال فهرع إليه الناس للسلام عليه والتبرك به، وكان قد أذن لموسى بن عمر في التوجه