للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وكان الشيخ جمال الدين الإسنوي يقدمه ويفضِّله على أَهل عصره، وكان الشيخ عماد الدين الحسباني يشهد أنه يحفظ "الروضة"، وكان الشيخ بدر الدين الطنبدي يحكي عنه أنه كان يقول: "أعرف عشرين علمًا لم يسألني عنها بالقاهرة أَحد"، ومع سعة علمه لم يصنِّف شيئًا.

قال ابن حبيب (١): "شيخ الإسلام وبهاؤه، ومصباح أُفق الحكم وضياؤه، وشمس الشريعة وبدْرها، وحبر العلوم وبحرها، كان إمامًا في المذهب، طرازًا لردائه المذهّب، رأْسا لذوي الرياسة والرتب: حجة في التفسير واللغة والنحو والأَدب، قدوةً في الأصول والفروع، رحلةً لأَرباب السجود والركوع، مشهورًا في البلاد والأَمصار، سالكا طريق مَن سَلف مِن سلفِه الأَنصار، ودرّس وأَفاد، وهدى بفتاويه إلى سبيل الرشاد، وباشر القضاءَ بمصر والشام" قلت:، وكان له شعر وسط، أنشدني الإَمام أَبو عبد الله محمد بن محمد بن عبد البر إجازة، قال أَنشدنا أبي لنفسه:

قَبَّلْتُه (٢) ولثَمْتُ باسِمَ ثغرِه … مع خدِّهِ وَضَمَمْتُ مائس قَدِّه

ثم انتهيتُ (٣) ومقلتي تبكي دمًا … يا رب لا تجعلْه آخِرَ عهدِهِ

وذكره الذهبي في المعجم المختص وقال: "إمام متبحر مناظر، بصير بالعلم: محكم العربية مع الدين والتقوى (٤) والتصون"، انتهى.

وخرّج له أَبو الحسين بن أَيبك جزءًا من حديثه حدَّث به ومات قبله بدهر. كتب عنه ابن رافع في معجمه من نظمه؛ وقرأْت بخط ابن القطان وأَجازنيه: "كان إمامًا في العلوم عارفًا بالجدل، يؤدي دروسه بتؤدة ولطافة، وللفقه من فيه حلاوة وطلاوة، وهو أَنْظَر من رأَينا، غير أَنه كان إذا ظهر المنقول بخلافه أَو اتجه عليه البحث تظهر الكراهة في وجهه، وكان يغضّ من كثير من العلماء لا سيما أَهل العصر"، قال (٥): "وذكر لي الشيخ بهاء الدين بن عقيل أَنه كان معيدًا عنده في دروس القلعة قبل أَن يتوجه إلى الشام، وكانت ولايته طرابلس بسَعْي تاج الدين عند السلطان حسن في إخراجه من الشام، ثم سعى في أَيام يلبغا فأَذن له في دخول


(١) درة الأسلاك، ج ٣ لوحة ٤٨١، س ١٤ - ١٧.
(٢) أمامها في هامش ز "ودعته".
(٣) في ل، هـ "انتبهت"، وفي ك "انتهى".
(٤) ساقطة من ز، هـ.
(٥) يعني ابن القطان.