للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

٢٠ - محمد بن سعد بن محمد بن عبد الله بن سعد بن أَبي بكر بن مصلح بن أَبي بكر بن سعد المقدسى الحنفى، القاضي شمس الدين الدَّيْرى، كان أَبوه من التجار فوُلد له هذا في سنة اثنتين أَو ثلاثٍ وأَربعين وسبعمائة؛ والدِّيْرى نسبة إلى مكان بمرْدَا من جبل نابلس، وتعانى الفقه والاشتغال بالفنون وعمل المواعيد، ثم تقدّم في بلده حتى صار مفتيها والرجوع إليه فيها، وكانت له أَحوال مع الأمراء وغيرهم يقوم فيها عليهم ويأمرهم بكف الظلم واشتهر ذكره، فلما مات ناصر الدين ابن العديم في سنة تسع عشرة استدعاه المؤيّد فقرّره في قضاء الحنفية بالقاهرة، وكان قدمها مرارا فباشرها بشهامة وصرامة وقوة نفس، ثم امتزج مع المصريين وساس الناس، وكان منقادًا لما رام به ابن البارزي، فلما كملت عمارة المؤيّدية سأَل السلطانَ أَن يقرّره في مشيختها فأَجابه بعد أَن كان عين لها بدرَ الدين بن الأُقصرائى، وظَنُّ ابن الديرى أَن السلطان لا يُخْرِج عنه القضاء فجاء الأَمر بخلاف ظنَّه، فلما قرره في المشيخة قال له - ونحن (١) نسمع -: "الآن استرحنا واسترحت! " يشير بذلك إلى كثرة الشكاوى من الأُمراء فيه. وقرّر في قضاء الحنفية زين الدين التفهني.

وكان ابن الديرى كثير الازدراء بأهل عصره، لا يظن أَن أَحدًا منهم يعرف شيئًا، مع دعوى عريضة وشدةِ إعجاب، يكاد يقضى المجالس بالثناء على نفسه شدة التعصّب لمذهبه والحطّ على مذهب غيره. سامحه الله تعالى.

مات في سابع ذى الحجة ببيت المقدس، وكان تأسف على فراقه (٢) ويقول: "سكنته أَكثر من خمسين سنة ثم أموت في غيره! " فقدِّرت وفاته به.

وذكر العيني في تاريخه أَنه زاد على التسعين وليس كما (٣) قال، فإنه كان يقول إن مولده سنة خمس وأَربعين، فسأَلْتهُ عن سبب اختلاف قوله فذكر أَنه لا يحققه وإنما يجيب بطريق الظن، والذي صدّرت به الكلام هو الذي حصل من الاستقراء من مجموع


(١) هذا يعنى أن ابن حجر كان حاضرا هذا المجلس.
(٢) أي على فراق بيت المقدس.
(٣) جاء في هامش ث: "رأيت العينى في تاريخه قال إنه يقارب التسعين، قال: وكان عالما فاضلا رأسا في مذهبه، متخلقا بأخلاق أهل التصوف، أدرك علماء كثيرة في مصر والشام وبيت المقدس وعاشر علماء كثيرين وذلك لأن بيت المقدس كان محط العلماء والصلحاء".