فقال له:"قلد الشافعي في هذه المسألة"، فاتفق حضور ابن العجمي في صبيحة ذلك اليوم فدارت المسألة بين الفقهاء الذين يحضرون عند السلطان، فبالغ ابنُ العجمي في الردّ على من أفتى بذلك، فقيل له:"قد أفتى به ابن عباس من الصحابة"، فقال:"أنا ما أُقَلِّد ابن عباس، وإنما أُقلد أبا حنيفة"، هذا الذي أضبطه من لفْظه، فادعى عليه بعد ذلك -بتأليب كاتب السر عند القاضي الحنفى ابن الديري- أنه قال:"ومن هو ابن عباس بالنسبة إلى أبي حنيفة؟ " فطلبه ابنُ الديرى بالرسل حتى أَحضروه مهانًا ووُكِل به بالصالحية.
وفى تاسع عشره طَلب ابنُ الديرى ابنَ العجمي فعزّره من غير إقامةِ بيّنَةٍ عليه بشئ مما ادعى عليه به ثم أفرج عنه، فجمع نفسه عن الكلام فى الحسبة، فبلغ ذلك السلطان فأنكر ذلك واستدعاه وخلع عليه وأقره على الحسبة، ففرح الناس بذلك فرحًا عظيما، وكانوا اتهموا القبط في الممالأة عليه، وظَنُّوا أن ابن البارزى قبطى وليس كذلك، وإنما هو أعان على نفسه حتى أسخط الرؤساء عليه.
* * *
وفي جمادى الآخرة تحول السلطان من القلعة في محفَّةٍ إلى بيت ابن البارزي المطلّ على النيل، وكان ابن البارزي قد استأْجر بيت ناصر الدين بن سلام وأضاف اليه عدة بيوتٍ مجاورةٍ له وأتقن بِنَاءَها، ووضعَها وضْعا غريبا على قاعدة عمائر بلده حماة، فأَعجب السلطان ذلك إعجابًا شديدا واختار الإقامة به حتى يبل من مرضه، فأقام بها من نصف جمادى الآخرة إلى نصف رجب، واستدعى الحرَّاقة الذهبية. فكان يركب من بيت البارزى إلى القَصْر الذى بإنبابة ثم منه إلى بيت البارزي، وتارة ينام في الحراقة الليل كله، وتارةً يتوجه إلى الآثار يتفرج فيها ويرجع إلى رابع عشر رجب، فتحول السلطان إلى بيت الخروبى بالجيزة وكان قد أحضر الحراريق المزينة التي جرت العادة بتزيينها في ليالى وفاء النيل، فاستصحبها صحبته مُقلِعَةً إلى الخَرُّوبِيّة، واجتمع الناس للفرجة في شاطئ النيل من بولاق إلى مصر، فمرت في تلك الليالى للناس من النزه والبسط ما لا مزيد عليه مع الإعراض عن المنكرات لإعراض السلطان عنها، وكان قد تاب من مدة وأعرض عن